القديم والحديث

محمد كرد علي ت. 1372 هجري
103

القديم والحديث

تصانيف

الألحان تصفي الأرواح، وتبعث النشاط في النفوس، فبها قد يجسر الجبان في ساحة الوغي، ويكرم الشحيح، ويرق الكثيف، ويلين القاسي، ويقوى الضعيف، ويعدل الظالم، ويعطف اللئيم، وخير الأغاني والأناشيد ما كانت ملحنة بألحان تناسبها معربة الألفاظ جيدة المعاني، وما قيل من أنه ليس على المطرب أن يعرب ليس صحيحا من أكثر وجوهه، فإن لجودة اللفظ والمعنى تأثيرا لا ينكره إلا مريض الذوق بعيد عن مناحي الآداب سقيم الفهم.

كان الناس في القديم لا يعرفون غير العود

3

والقانون والمزامير والشبابات والصلاصل والطارات والتغيير والكوبة من آلات الطرب، واليوم أتى الإفرنج بالأرغن والبيانو وغيرهما من أدوات الطرب، ولكن جل الاعتماد على البيانو لا يكاد يخلو منه بيت ذي نعمة في الغرب، يضرب به أولاده وزوجه وضيوفه، ويوقعون عليه أنواع الأغاني والأناشيد، وتعلمه فيما نحسب أسهل من تعلم العود المألوف في هذا الشرق الأقرب، والتغيير هو الغناء بالطقطقة بالقضيب، وإنما سمي تغييرا لأن محدثيه يسمون المغيرة، والكوبة طبل طويل ضيق الوسط ذو رأسين وهو المعروف بالدربكة في بلاد الشام.

قال يزيد بن عبد الملك يوما وذكر عنده البربط: ليت شعري ما هو؟ فقال له عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أنا أخبرك ما هو، محدودب الظهر أرسح البطن، له أربعة أوتار إذا حركت لم يسمعها أحد إلا حرك أعطافه وهز رأسه.

وقد ورد في الكتاب والسنة وسيرة أعاظم سلف الأمة إشارة إلى الغناء، وإلى تجوزهم في سماعه، وهم - ولا شك - أحسن قدوة في هذا الباب، قال القرطبي: ومن الاستدلال بالكتاب من ذلك أي على الغناء قوله تعالى:

ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ، قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة: هو الغناء، وقوله تعالى:

واستفزز من استطعت منهم بصوتك ، قال مجاهد: إنه الغناء والمزامير،

وأنتم سامدون ، قال ابن عباس: هو الغناء، ومن السنة ما خرجه الترمذي أن النبي

صلى الله عليه وسلم

صفحة غير معروفة