سواهما هو النفس الناطقة؟ وبتقدير أن كون محل العلم هو القلب أو الدماغ. فهو جميع أجزائها ، أو بعض أجزائها. ولو كان موجد العلم هو العبد ، لوجب أن يعلم أنه في أي موضع أوجده؟ وفي أي محل أحدثه؟ ولو كان الأمر كذلك ، لما بقي ذلك الاشتباه. وحيث بقي ، علمنا : أن حصول هذه العلوم ليس بإيجاده. فظهر : أن اختلاف الناس في هذه المطالب ، يدل على أن عقول أكثر الخلق قاصرة عن حضور ماهية الإيجاد والتكوين. وإذا كان كذلك ، فكيف يدعى أن جميع الحيوانات ، حتى البهائم والحشرات تقصد إلى الإيجاد والتكوين والإنشاء مع أن حقيقة الإيجاد والتكوين غير متصورة البتة عندهم ، فإن من المعلوم بالضرورة : أن القصد إلى تحصيل الشيء ، لا يمكن إلا عند حصول تصوره في الذهن.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن حقيقة الإيجاد والتكوين متصورة من بعض الوجوه ، عند البهائم والحشرات. وإن كان كمال تصور هذه الماهية غير حاصل عندهم. وإذا كان كذلك ، كفى ذلك القدر من التصور ، في إمكان قصد هذه الحيوانات ، إلى الإيجاد والتكوين؟.
والجواب : إن ماهية الإيجاد والتكوين غير متصورة عند الأكثرين من البشر ، والأكثرين من البهائم والحشرات. وإذا كانت هذه الماهية غير متصورة عندها ، استحال منها أن تقصد إليها وإلى تحصيلها. لأن القصد إلى تحصيل الشيء مشروط بتصوره وحصول الشعور بماهيته.
وبالله التوفيق
* البرهان السادس
أن نقول : العبد لو صح منه إيجاد بعض الممكنات ، لصح منه إيجاد كلها. واللازم محال ، فالملزوم محال.
وبيان الملازمة من وجوه :
الأول : إن العبد لو قدر على إيجاد بعض الممكنات ، لكان كون ذلك البعض مقدورا. إنما كان : لكونه ممكن الوجود. فإنا لو رفعنا الإمكان ، بقي إما الوجوب ، وإما الامتناع. وهما
القلب هو العضو الرئيسي المطلق لسائر الأعضاء وأن النفس متعلقة به أولا وبواسطة ذلك التعلق تصير متعلقة بسائر الأعضاء. وهذا هو مذهب أرسطاطاليس وأتباعه من القدماء والمتأخرين. ومذهب جالينوس وأتباعه من الأطباء أن الإنسان عبارة عن مجموع نفوس ثلاثة : النفس الشهوانية وتعلقها الأول بالكبد ، والنفس الغضبية وتعلقها الأول بالقلب ، والنفس النطقية الحكيمة وتعلقها الأول بالدماغ. وهذه الأعضاء الثلاثة كل واحد منها مستقل بنفسه منفرد بخواصه وأفعاله. والمختار أن هذا باطل والحق هو القول الأول ...» (7 / 163 ...) وهو في التفسير الكبير يؤيد هذا الرأي ويجيب عن سؤال «هل تدل الآية (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) على أن العقل هو العلم وعلى أن محل العلم هو القلب؟ فيقول : الجواب : نعم لأن المقصود من قوله (قلوب يعقلون بها ) العلم وقوله (يعقلون بها) كالدلالة على أن القلب آلة لهذا التعقل فوجب جعل القلب محلا للتعقل» (23 / 45) ويتابع في عدة مواضع منه الرأي نفسه (24 / 166 167) وكذا في لوامع البينات في شرح أسماء الله والصفات (ص 53). ويرى في كتاب الفراسة أن مقر الفهم والعقل والحفظ والذكر جميعا هو الدماغ (ص 59 عن الرازي وآراؤه الكلامية ص 493).
صفحة ٨٨