غير عالم بتلك التفاصيل ، فوجب أن لا يكون موجدا لها.
وبالله التوفيق
* البرهان الخامس
اعلم : أنا نبين أن العبد غافل عن أحوال فعل نفسه ، وعن أحوال فاعليته لها ، من وجوه كثيرة. ثم نبين : أنه متى كان الأمر كذلك ، امتنع كونه موجدا لتلك الأفعال. وهذا البرهان هو عين ما تقدم. إلا أن الوجوه المذكورة هاهنا ، مغايرة للوجوه المذكورة في تقرير البرهان المتقدم.
فنقول : الذي يدل على كون العبد غافلا عن أحوال فعله ، وعن أحوال فاعليته ، وجوه :
الأول : إن الناس تحيروا (1) في أن القادر على الإيجاد ، أيقدر عليه حال وجود الأثر ، أو قبله؟ فقال بعضهم : إنما يقدر عليه حال وجوده. لأنه قبل وجوده مستمر على عدمه الأصلي ، فلم يكن لقدرته فيه أثر ، فيمتنع كونه قادرا عليه. لأنه لما كان في إحدى الحالتين قادرا عليه ، وفي الحالة الثانية لا قدرة له عليه ، والتخيير بين الحال التي فيها يقدر على الفعل ، وبين الحال التي لا يقدر فيها على الفعل ، يجب أن يكون مدركا. لأن التمييز بين حال الاقتدار ، وبين حال عدم الاقتدار : تمييز معلوم بالضرورة. فكان يجب أن لا يحصل هذا الالتباس. وحيث حصل : علمنا. أن العبد لا قدرة له على الإيجاد.
وثانيها : إن الناس تحيروا في أن من أوجد شيئا. فتأثير إيجاده. أيحصل في نفس الماهية ، أو في الوجود ، أو فيهما؟ ولو كان هذا الإيجاد واقعا به ، لعلم بالضرورة : أن الذي أوجده وأوقعه : ما ذا؟.
وثالثها : إن الناس تحيروا في أن المؤثرية. هل هي نفس الأثر؟ منهم من قال : غيرها. لأن المؤثر موصوف بالمؤثرية ، وغير موصوف بالأثر. فأحدهما مغاير للآخر. ومنهم من قال : بل المؤثرية نفس الأثر. إذا لو كان مغايرا له ، لكان اقتضاء ذات المؤثر لتلك المؤثرية زائدا عليه. ولزم التسلسل.
ورابعها : إن الناس تحيروا (2) في أن محل العلم. أهو القلب ، أو الدماغ ، أو شيء آخر
صفحة ٨٧