بل لأن القادر المختار ، خلق في العبد ما يوجب حصول ذلك الفعل وهو مجموع القدرة مع الداعي. فالمؤثر في وجوب ذلك الفعل : هو هذا المعنى. أما تعلق علم الله فهو يكشف عن حصول هذا الوجوب. لا أنه هو الموجب.
وأما السؤال الرابع : وهو قوله : «ولو كان الأمر كما قلتم ، لكان أمر الكافر بالإيمان : أمرا بتجهيل الله تعالى وبتكذيبه» قلنا : إن عنيتم به : إن أمر الكافر بالإيمان ، لا يتأتى إلا مع تجهيل الله ومع تكذيبه. فهذا ممنوع. وإن عنيتم أن حصول المأمور به ، لا يمكن إلا مع تجهيل الله وتكذيبه. فهذا هو الذي قلنا. وزعمنا : أن هذا الأمر في الحقيقة : أمر بالمحال ، الذي لا يمكن إيقاعه.
وأما السؤال الخامس : وهو قوله : «الإيمان في نفسه من الجائزات فلو صار محالا بسبب العلم : يكون الشيء الواحد : ممكنا محالا» فجوابه : إنه لا امتناع في كون الشيء الواحد : جائزا لذاته ، ممتنعا لسبب منفصل. ألا ترى أن الممكن : ممكن لذاته ، واجب عند حضور علة وجوده ، ممتنع عند عدم سبب وجوده. فكذا هاهنا.
وأما بقية الوجوه : فهي شبهات يذكرونها في أن الأمر بالمحال ، لا يجوز. لكنا بينا : أن هذا المعنى واقع. لأنه يخلق الدواعي إلى الكفر في حق الكافر ، ثم يأمره بالإيمان. وما ذاك إلا تكليف ما لا يطاق.
وأما الوجوه السمعية التي عولوا عليها : فهي قابلة للتأويل. وما ذكرناه من الدلائل لا يقبل التأويل. فكان الترجيح من جانبنا.
قلنا : جوابهم الأول. وهو قولهم : «خطأ قول من يقول : إن وقوع ما علم الله أنه لا يقع : يدل على انقلاب علم الله جهلا ، وخطأ قول من يقول : إنه لا يدل» : فضعيف. وذلك لأنهم إن أرادوا أن كلا النقيضين باطل في نفس الأمر. فهذا لا يقوله عاقل. وإن أرادوا به أن أحدهما حق ، ولكن لا ينطقون به ولا يتلفظون به فهذا مسلم. إلا أن إلزامنا غير مبني على نطقهم ، ولا على لفظهم وعبارتهم. فإنا لما بينا أنه تعالى إذا علم أنه لا يؤمن. فلو آمن ذلك الشخص. فإن على هذا التقدير ، لم يكن علمه مطابقا للمعلوم. ولا معنى للجهل إلا هذا. فثبت منه : أنه يلزم انقلاب علم الله جهلا. ولما كان هذا محالا ، وجب أن يكون ذلك محالا لأن المؤدي إلى المحال محال.
وأما جوابهم الثاني : فضعيف أيضا : لأن قولنا : لو كان الداخل في الوجود هو إيمان «زيد» لعلم الله في الأزل أنه يؤمن. ولو كان الداخل عدم إيمانه ، لعلم الله في الأزل أنه لا يؤمن. فهذا قضية شرطية. لأن قولنا : لو كان كذا ، لكان كذا : لا شك أنه قضية شرطية. لكنا
صفحة ٦٥