الثالث : إنه تعالى حكى عن الكفار في «حم» السجدة أنهم قالوا : ( قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه. وفي آذاننا وقر ) (1) وإنما ذكر تعالى هذه الحكاية عنهم ، ذما لهم على هذا القول. ولو كان العلم بعدم الإيمان ، مانعا من الإيمان. لكانوا صادقين في هذا القول. فلم ذمهم عليه؟.
الرابع : إنه تعالى إنما أنزل قوله : ( إن الذين كفروا. سواء عليهم ) إلى قوله : ( لا يؤمنون ) (2): ذما لهم ، وزجرا لهم ، عن الكفر ، وتقبيحا لفعلهم. فلو كانوا ممنوعين عن الإيمان ، غير قادرين عليه : ما استحقوا الذم البتة. بل كانوا معذورين فيه. كما يكون الأعمى معذورا في أن لا يرى ، والزمن في أن لا يمشي.
الخامس : القرآن إنما أنزل ليكون حجة لله ولرسوله على الكفار ، لا أن يكون حجة للكفار على الله وعلى رسوله. ولو كان العلم والخبر مانعين عن الإيمان ، لكان لهم أن يقولوا : لما اعترفت بأن الله علم الكفر منا ، وأخبر عن حصول الكفر فينا وهذا من أعظم الموانع لنا عن الإيمان فلم يطلب المحال منا؟ ولم يأمرنا بالمحال؟ ومعلوم : أن هذا مما لا جواب لله لرسوله عنه ، لو ثبت : أن العلم والخبر يمنع عن الإيمان (3).
السادس : إنه تعالى قال : ( فنعم المولى ونعم النصير ) (4) ولو أنه أمر بالإيمان ، مع حصول المانع منه : لما كان «نعم المولى ونعم النصير» بل كان بئس المولى وبئس النصير. ومعلوم: أن ذلك : كفر.
فثبت بهذه الوجوه : أن علم الله بعدم الإيمان ، وخبره عن عدم الإيمان : لا يدل على كون ذلك الإيمان ممتنع الحصول.
وأما الجواب على سبيل التفصيل :
فاعلم : أن للمعتزلة فيه طريقين :
صفحة ٦٢