اعتبار أحوال جميع الأحوال والأفعال. ولا فائدة في التطويل.
ولنختم هذا البرهان القاطع ، بفصل منقول عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقوي ما ذكرناه.
روي أنه رضي الله عنه خطب (1) فقال : وأعجب ما في الإنسان قلبه «فإن سنح له الرجاء ، أذله الطمع. وإن هاج به الطمع ، أهلكه الحرص. وإن ملكه اليأس ، قتله الأسف .. وإن عرض له الغضب ، اشتد به الغيظ. وإن أسعده الرضى نسي التحفظ. وإن ناله الخوف ، شغله الحذر ... وإن أصابته مصيبة قصمه الجزع ... وإن وجد مالا ، أطغاه الغنى. وإن عضته الفاقة ، شغله البلاء. وإن جهده الجوع ، قعد به الضعف ... فكل تقصير به مضر ، وكل إفراط له مفسد».
قال المصنف : هذا الفصل تصريح منه عليه الرحمة بأن أفعال الجوارح مترتبة على أفعال القلوب وأن أفعال القلوب مترتب بعضها على بعض ، ترتبا ضروريا. لا مجال للعبد في قطع بعضها عن بعض. وذلك يحقق ما قلنا.
وجاء في كتاب «الزبور» لداود عليه السلام . ما يقرب معناه من هذا وهو : إن الذي خلق أمزجة العباد ، علم أحوال قلوبهم ومن علم أحوال قلوبهم علم أفعالهم. ومن علم أفعالهم ، علم أحوال معادهم. وكل ذلك إشارة إلى ما ذكرناه ، من كون كل ما تأخر ، كالمعلول لما تقدم ، وإن تأدى ذلك المتقدم ، إلى ذلك المتأخر تأديا اضطراريا. ومتى كان الأمر كذلك ، كان من علم المتقدم ، فلا بد وأن يعلم المتأخر ، استدلالا بالعلة على المعلول.
وبالله التوفيق
* البرهان الرابع
على أن العبد لا يمكنه أن يأتي إلا بما قدره الله تعالى.
وأن الذي ما قدره الله تعالى له ، فإنه يمتنع صدوره عنه.
إن المعتزلة وافقونا على أنه تعالى : عالم بجميع الجزئيات التي ستقع وستوجد.
إذا عرفت هذا ، فنقول : تقريره من وجوه :
صفحة ٥٧