بحصول المرجح الزائد. وقوله بعد ذلك : «إنه لا لمرجح» مشعر بنفي المرجح الزائد ، فكان قوله : «القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجح» جمع بين النقيضين. وهو كلام باطل.
وأما السؤال الخامس : وهو بقوله : «لا يجوز أن يقال : الفعل عند الداعي يصير أولى بالوقوع ، مع أنه لا ينتهي إلى الوقوف» فنقول : هذا باطل ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : ما ذكرنا : أنه حال الاستواء كان ممنوع الوقوع ، فحال المرجوحية أولى بالامتناع ، وإذا كان طرف المرجوح ممتنعا ، كان الراجح واجبا. لأنه لا خروج عن التقصير. قوله : «إن بقاءه على العدم ، لا يكون لأجل حصول الداعي إلى الترك ، بل لأجل أن الأصل في كل أمر بقاؤه على ما كان» قلنا : هذا محال. لأن الممكن هو الذي يكون دائرا بين الوجود وبين العدم. فكما أن وجوده يتعلل بوجود ما يقتضي الوجود ، فعدمه معلل بعدم ذلك المؤثر. فإما أن يقال إنه يستمر عدمه لنفسه. فذلك محال. لأنه يقتضي ، إما انقلاب الممكن واجبا ، وإما استغناء الممكن عن المؤثر. وكلاهما محال.
الحجة الثانية في بطلان هذه الأولوية : أن نقول : لا شك أن عند حصول القدرة مع الداعية المرجحة ، قد حصل قدر من الرجحان. فنقول : عند حصول ذلك القدر من الرجحان. إن امتنع ، العدم ، فقد حصل الوجود. وذلك هو المطلوب. وإن لم يمتنع العدم ، فلنفرض ذلك واقعا. فإن كل ما كان ممكنا ، لم يلزم من فرض وقوعه محال. وعلى هذا التقدير يكون قد حصل عند حصول ذلك القدر من الرجحان : الوجود تارة ، والعدم أخرى ، بامتياز أحد الوقتين عن الآخر. بحصول الأثر في أحدهما ، وعدم حصوله في الثاني ، إن لم يتوقف على انضمام قيد إليه فقد يرجح الممكن المتساوي لا عن مرجح. لأن نسبة ذلك القدر من الرجحان إلى الوقتين ، لما كان على السوية ، ولم يختص أحد الوقتين بمزية ، لأجله صار هو أولى بالوقوع ، فحينئذ يكون تمييز أحد الوقتين عن الثاني تمييزا لأحد طرفي الممكن المتساوي عن الآخر ، لا لمرجح. وإما أن يتوقف على انضمام قيد إليه ، فحينئذ يكون المرجح هو المجموع الحاصل من الأمر الذي كان حاصلا ، مع انضمام هذا القيد إليه. فيلزم أن يقال : إن مجرد الأمر الذي كان حاصلا قبل ذلك ، ما كان تمام المرجح. مع أنا فرضنا تمام المرجح. هذا خلف. وأيضا : يتحقق بقيد التقسيم عند حصول ذلك المجموع. فنقول : إن كان الفعل واجبا فهو المقصود. وإن لم يكن واجبا ، عاد التقسيم فيه. ولزم التسلسل. وهو محال.
الحجة الثالثة : إن عند حصول الداعية المرجحة للوجود. إن امتنع العدم ، فقد حصل الوجوب وهو المقصود. وإن لم يمتنع العدم ، فليفرض العدم حاصلا مع حصول ذلك القدر من رجحان الوجود. لأن كل ما كان ممكنا ، لم يكن من فرض وقوعه محال. لكن هذا الفرض محال ، لأن حال حصول رجحان الوجود. لو حصل العدم يحصل في تلك الحالة رجحان العدم لأن عند حصول العدم ، يكون العدم راجحا ، لا محالة. وهذا يوجب أن يقال : إن عند حصول
صفحة ٤٧