الحركة يمنة ، صار ذلك المجموع موجبا للحركة يمنة. ثم إن تلك الداعية تزول سريعا وتتبدل بحصول الداعية إلى الحركة يسرة. فيصير الآن هذا المجموع موجبا للحركة يسرة.
والحاصل أن في الأمور الطبيعية ما لأجله صار الشيء موجبا للتسخين يبقى ولا يتغير . وأما في الأمور الاختيارية فتلك الاختيارات سريعة التبدل والتغير. فهذا هو أحد الفريقين.
والوجه الثاني في الفرق : أن المؤثرات الطبيعية لا شعور لها بآثارها ، ولا علم ، ولا إدراك وأما المؤثرات الاختيارية فهي إنما تؤثر بواسطة العلم والشعور والإدراك فإنه ما لم يحصل تصور كون ذلك الفعل مفضيا إلى حصول اللذيذ ، أو النافع لم يفعل. وما لم يحصل تصور كونه مفضيا إلى حصول المؤلم والضار لم يترك. ولهذا السبب : سمي هذا الفعل فعلا اختيارا ، وسمي هذا الفاعل مختارا. لأنه إنما يفعل إذا تصور خيرا. فلأجل أن هذا الفعل لا يحصل إلا عند تصور الخير ، سمي هذا الفعل اختياريا ، وسمي هذا الفاعل مختارا.
فظهر من هذين الوجهين : حصول الفرق بين المؤثرات الطبيعية ، وبين المؤثرات الاختيارية.
وأما السؤال الثالث : وهو قوله : «إن الذي ذكرتم يقتضي كونه تعالى ، موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار».
فجوابه : إنا قد دللنا على أن الفعل يتوقف على حصول الداعية والإرادة المرجحة (1). ثم لما تأملنا أن كل ما للعبد من الدواعي والإرادات فهو محدث. فلا جرم افتقرت دواعي العباد وإرادتهم إلى مرجح آخر. فأما إرادة الله تعالى فإنها قديمة أزلية ، فلا جرم استغنت عن إرادة أخرى. فظهر الفرق بين البابين.
فإن قالوا : هب أنه ظهر الفرق من الوجه الذي ذكرتم. إلا أنا نلزمكم هذا الإلزام من وجه آخر. فنقول : إرادة الله تعالى تعلقت بإحداث العالم في الوقت المعين. فهل كان يمكن أن تتعلق بإحداث العالم في وقت آخر ، بدلا عن التعلق الأول ، أو يمكن (2)؟ فإن كان الأول لزم افتقاره إلى مرجح ، وإن كان الثاني لزم أن يكون موجبا لا مختارا. والجواب : إن هذا الإشكال
الأولى : أن الله تعالى تتناول إرادته الوقت والزمان ولو كان ذلك الخلق «قبل» خلق العالم الذي يرتبط بالوقت والزمان. وهذا يعني أن أفعال الله تعالى تقع في زمان أو أنها على الأقل ترتبط بآنات. والثاني : قياس أفعال الله على أفعال الإنسان وإرادته على إرادته واختياره على اختياره.
وفي كلا المسألتين عدم فهم للأزلية الإلهية وتشبيهها بالزمان المخلوق المبني على الأزمنة الثلاثة وأخضاعها للأبعاض أو للأجزاء وكأنها مجموع أجزاء لا متناه. كما أن فيها دور منطقي ظاهر.
صفحة ٤٤