وأما الاستدلال عليه، بنفي السبيل ففيه - بعد عرفت - أخص من المدعي و كذا ما استدل به المستدل المذكور، من أن تضمين الأمناء يوجب سد باب الاستيمانات فيلزم التعطيل والحرج إذ فيه، أن الأغراض والدواعي كثيرة فكثيرا ما يقدمون العقلاء على ضررهم للأغراض لهم راجحة على جهة المالية، ألا ترى أن الغصب مع تضمنه عندهم وعند الشارع يقدمون عليه فمجرد التضمين لا يوجب الانسداد والحرج، وكذا استدلاله بأن التضمين إضرار على القابض بلا سبب، إذ فيه أن السبب هو الأخذ الذي وقع باختياره، وقاعدة نفي الضرر لا يضر بتأثير الأسباب. فتدبر.
وبالجملة: فقد أطال القائل المذكور في تطبيق الفروع على ما ادعاه في حقيقة الاستيمان وفي الاستدلال ولم يأت بشئ أمكنت إليه النفس، فالحق ما عرفت من مطاوي كلامنا المتقدمة، من أن الاستيمان إنما يحصل بدفع المال على وجه الوثوق في الحفظ ولو لأن ينتفع المدفوع إليه وهذا يستلزم التسليط من المستأمن - بالكسر - وأما مجرد الإذن في القبض مثل الإباحة الشرعية فليس استيمانا ومنه يظهر، أن مثل الإذن في الأكل في المخمصة ليس استيمانا، بل ومثل الإذن في الالتقاط إذ هو إباحة محضة، نعم ما دام الملتقط يقصد الحفظ لا ضمان عليه لا من جهة الاستيمان بل من جهة الإحسان فإذا قصد التملك أو تعدى أو فرط فقد خرج عن الإحسان ولزمه الضمان، وكذا مثل الإذن في تأخير أداء الزكاة فإنه لا يقتضي أزيد من إباحته للتأخير.
وأما الوجه في عدم الضمان في الاستيمانات الشرعية، فلأن تسليط الشرع كتسليط المالك يستلزم عرفا رفع اليد عن ماليته عند تلفه غير المستند إلى قابضه، فتدبر وتأمل، فإن المسألة في كمال الغموض والإشكال، فإني لم أجد ما يدل على أن
صفحة ٤٧