وقفات مع أحاديث تربية النبي ﷺ لصحابته
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة والثلاثون العدد (١١٢) ١٤٢٤هـ
تصانيف
يَوْمًا ثمَّ يَوْمًا ثمَّ رَأَوْا الْهلَال فَقَالَ: «لَو تَأَخّر الْهلَال لزدتكم كالمنكَّل لَهُم حِين أَبَوا أَن ينْتَهوا» مُتَّفق عَلَيْهِ (١) وَهَذَا حرص مِنْهُم ﵃ على الْخَيْر وظنًا أَن نهي النَّبِي لَهُم من بَاب الشَّفَقَة عَلَيْهِم وهم لحرصهم على الْخَيْر وَقُوَّة عزيمتهم رَأَوْا أَنهم قادرون على مُتَابعَة النَّبِي ﷺ فِي هَذِه الْعِبَادَة. وَهَكَذَا يتَبَيَّن أثر الْقدْوَة فِي النُّفُوس وأهميتها فِي التربية. وَإِذا تخلفت الْقدْوَة ضعفت التربية وَلَا ترى للمبادئ والتوجيهات أثرا وواقعًا عمليا، وَلِهَذَا نجد النُّصُوص الشَّرْعِيَّة تحذر من مُخَالفَة الْعَالم لما يُعلمه ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَالا تَفْعَلُونَ كَبُر مقتًا عِنْد الله أَن تَقولُوا مَالا تَفْعَلُونَ﴾ (٢) ويشنع الله ﷿ على طَائِفَة مِمَّن قبلنَا هَذِه الْخصْلَة فَيَقُول: ﴿أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم وَأَنْتُم تتلون الْكتاب أَفلا تعقلون﴾ (٣)
فالعالم والمربي إِذا أَمر بِالْخَيرِ وَلم يَفْعَله وَنهى عَن الشَّرّ وَهُوَ واقعٌ فِيهِ لم يكن لقَوْله تَأْثِير، يَقُول مَالك بن دِينَار ﵀: «إنّ الْعَالم إِذا لم يعْمل بِعِلْمِهِ زلّت موعظته عَن الْقُلُوب كَمَا يزل الْقطر عَن الصَّفَا» (٤) وَقد أَفَاضَ عُلَمَاء التربية فِي دور الْتِزَام المربي بتطبيق آرائه ونصائحه على نَفسه أَمَام تلاميذه وَمن يوجههم، وَقد تنبه لأهمية ذَلِك الشَّاعِر الْقَائِل:
يَا أَيهَا الرجل الْمعلم غَيره ... هلا لنَفسك كَانَ ذَا التَّعْلِيم
ابدأ بِنَفْسِك فانهها عَن غيها ... فَإِذا انْتَهَت عَنهُ فَأَنت حَكِيم
فهناك يسمع مَا تَقول ويشتفى ... بالْقَوْل مِنْك وينفع التَّعْلِيم
_________
(١) صَحِيح البُخَارِيّ ك: الصَّوْم ب: التنكيل لمن أَكثر الْوِصَال (٤/٢٠٥) ح:١٩٦٥ وَمُسلم ك: الصّيام ب: النَّهْي عَن الْوِصَال فِي الصَّوْم (٢/٧٧٤) ح١١٠٣.
(٢) سُورَة الصَّفّ: آيَة / ٢.
(٣) سُورَة الْبَقَرَة: آيَة / ٤٤.
(٤) أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان (٢/٢٩٧) .
1 / 132