سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام
الناشر
مكتبة الغرباء
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٨ هـ
مكان النشر
الدار الأثرية
تصانيف
مالك؟ فقال له: "فعل بي هؤلاء وفعلوا". فقال جبريل ﵇ "أتحب أن أريك آية؟ قال: "نعم" قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع بتلك الشجرة فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه. فقال: مرها فلترجع. فأمرها فرجعت إلى مكانها. فقال رسول الله ﷺ: "حسبي" (١).
ومضى رسول الله ﷺ يبلغ رسالة ربه، ويدعو الناس إلى دين الله صابرًا محتسبًا، واقفًا عند أمر ربه ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)﴾ [الزخرف: ٨٩].
عباد الله! رسولنا ﷺ على خلق عظيم كما شهد له ربه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾، فقد كان كفار مكة يعتدون عليه بالسب والشتم والضرب، ومع ذلك كان لا ينتقم لنفسه أبدًا، بل جاءه ملك الجبال وقال له: يا محمَّد لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (أي الجبلين) فقال رسول الله ﷺ: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا" (٢).
رسول كريم، إنها أخلاق النبوة، ويجب على الدعاة أن يتأسوا برسول الله ﷺ في الصبر على أذى الكفار، وأن يمضوا في الدعوة إلى هذا الدين العظيم.
عباد الله! تعالوا بنا لننظر إلى هذا الخلق العظيم من رسول الله ﷺ وكفار مكة يجمعون عليه الإيذاء بالقول والفعل، ومع ذلك فهو يعفو ويصفح.
عن عروة قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاصي: ما أكثر ما رأيت
(١) "صحيح السيرة النبوية" الألباني (ص ١٣٨). (٢) متفق عليه، رواه البخاري (رقم ٣٢٣١)، ومسلم (رقم ١٧٩٥).
1 / 104