فَوَفِّ بما عقَدتَ ولا تماطِل ... فما تدري متى يأتى السفِيرُ
ولا تتْبعْ هوى من لا يُبالي ... بما يريد فالمولى غَيُورُ
فقد وَضَحَ السبيلُ لِمن يراه ... وبانَ الحق واتَّجَه المسيرُ
"أقيموا الدينَ" قال اللهُ حقا ... وعمّا به شرعت فلا تجور
فلا يخدعْكُم عنها خيال ... ووسواس يلتمُّ به الغرور
ثم ختم قصيدته الموجهة لأبي فارس بوعظ مباشر:
بذلتُ نصيحتي شَغَفًا وحُبّا ... وألجأ للإله وأستجير
به من شَرِّ مَن يُرْدي ويُعْدي ... فما لله ضدٌّ أو نظير
فلا تحتجَّ لأكل المال ظلما ... فظلمُ الناس شر مستطير
ولا يغررْك غرارُ قوم ... عبوس من ورائك قمطرير
ولا ترجع بما عاملت ربا ... به إن التجارة لا تبور
وقم بالشكر إن الله يرضى ... بشكر عباده وهو الشكور
وليس علينا شيء مما ارتكبه الشماع في نظمه المهلهل هذا من ضرائر الشعر وتكلف الإجادة، فهو شعرُ فقيه؛ ولكننا أردنا من سَوْقِهِ بيانَ أن أبا فارس لم يكن ضيَّقَ العطن ليتبرم بهذا النصح الصريح الذي خاطبه به الهنتاتي، ولم يكن هذا ليسوقَهُ إلى ممدوحه لولا دَالَّتُه عليه، وعِلمُه بقدر ما يُكِنُّ للعلماء من التجلة والإكبار.
وقد بالغ في إكرام العلماء والأدباء، ومن مفاخره إقامتُه لخزانة الكتب التي جعلها بجوف جامع الزيتونة، وقد أوقف عليها أحباسا عظمى من الزياتين وغيرها بدرجة تفوق كفايتها.
...
- محمد بن أحمد الحفصي الأمير، ابن السلطان أبي العباس، أخو السلطان أبي فارس صاحب تونس، ويعرف بالحسين:
كان من جلة فقهاء تونس وعلمائها، علامة محققا، أخذ عن ابن عرفة وعيسى الغبريني وغيرهما؛ ورافق البسيلي في الطلب، وهو الذي طالبه بنسخة من تفسيره في
1 / 34