- عبد العزيز الحفصي (٧٩٦ - ٨٣٧ هـ):
لم يكد يفرغ من تمهيد البلاد حتى هرع إلى قضاء حق العلم، ويرسم ابن القنفذ صورة عن مجلسه العلمي فيقول: "وفي سنة ٧٨٢ حضرت مجلسه -نصره الله- في العلم، بقصبتهم السعيدة في الحضرة العلية في التفسير والحديث والفقه، والقائمُ حينئذ بِرَسْمِ العلم في مجلس الأمير قاضي الجماعة بالحضرة العلية الشيخ الحافظ أبو مهدي عيسى بن أبي العباس أحمد الغبريني؛ وهو شيخٌ نَالَ من المعارف ما اشتهى، وحازَ من العلوم الغايةَ والمنتهى، وهو في درسه حَسَنُ العبارة، لَيِّنُ القول قريبُ الإشارة، شاهدت المفيد درسه، وحضر جماعة من الطلبة مجلسه، وكان الشيخ الفقيه المدرس الخطيب المفيد أبو زكرياء يحيى بن منصور الأصبحي يحضر هذا الدرس، ولا يختص الخليفة فيه بطِنْفِسَةٍ ولا بغيرِها، بل جلوسُهُ على البساط الذي يجلس عليه الطلبة؛ وكان الخليفةُ يقرأ على القاضي المذكور دولته في "الرسالة" بعد افتراقِ المجلس؛ ورأيتُ في أيام حضوري بمرْفَعِ الكتب بالقُبَّة شَرْحِي لرسالة ابن أبي زيد في أربعة أسفار، رَفَعَهُ للخليفة من نَسْخِهِ".
ويُظاهر ما سُقْناه عن ابن قنفذ ما ذكره ابن الشماع عنه: "ومن فضائله ملازمتُه لقراءة العلم بمجلسه سَفَرًا وحَضَرا وتواضعُه وجلوسُه على الحصير حين قراءتِه للحديث النبوي، وشاهدتُ ذلك منه ﵀ أيام حضوري مع الوالد؛ وكانت تصدُرُ عنه حين القراءة نكتٌ تدل على جودة فهمِه وقوةِ ذهنِه، وكان هو الذي يستدعي الوالد في كثير الأوقات للقراءة، ولاسيما حين يَرد عليه من يَرِدُ من فحول العلم من الأندلس والمغرب، وكان مولعا بتمييز الرجال، وكان يعترف للوالد بأنه أحرز قصب السبق". ووالد ابن الشماع المذكور هو القاضي أبو العباس أحمد الشماع الهنتاتي (ت ٨٣٣ هـ)، وقد ألف كتاب "مطالع التمام ونصائح الأنام ومنجاة الخواص والعوام" بناء على مسألة أحيلت للنظر بين يدي أبي فارس في مجلسه، وهي مسألة العقوبة بالمال. وخاطبه في الكتاب بقصيدة طويلة تخلص فيها بعد المدح إلى القول:
1 / 33