مسح الرقبة مستحب، ندب إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: " مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة " (2) فهذا منه عليه الصلاة والسلام ترغيب لا على وجه التأكيد، فلا ينبغي أن يرغب العبد عما رغب فيه عليه الصلاة والسلام، وما أعظمها فضيلة مؤثرة للأمان من غل الرقاب يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام، وما أخف المؤونة وأسهل العمل، ثلاث مسحات أو مسحة بالماء تكسب التائب أمانا من أغلال جهنم، وأعني به التائب من الكبائر، فهذا العمل اليسير مكفر للصغائر الموجبة لغل الرقبة.
__________
(1) ينظر: القول الرابع: المصنف، 4/ 77.
(2) رواه العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس، للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني، 2/ 241، مؤسسة الرسالة، ط5، 1408ه / 1988م.
وقد ورد ما ذكرناه وما لم نذكره من الأخبار في فضائل الوضوء، وذلك الفضل من الله، ولعلمه عليه الصلاة والسلام أن هذا العمل اليسير مكفر للخطيئة التي من عقابها وضع الأغلال في الرقاب في دار العدل، ومع هذا العمل يتحقق الأمان من ذلك الوعيد العظيم المخوف، لا جرم ندب إليه، وهنا تظهر حكمة المشروعية، فتكون معقولة بهذا الاعتبار، وتظهر حكمة أخرى معها، وهي أن وضوء الوجه والرأس فرض، ووضوء الأذنين قيل: فرض، وقيل: سنة، كما علمت، والرقبة قاعدة حاملة للرأس وما حواه من الوجه والأذنين وغيرهما من الحواس العقل فما دونه، واستقامة نظام الإنسان برأسه وما يشمله، فلو عدم الرأس انتقض النظام وذهبت الحياة، فكانت الرقبة بمثابة الكرسي للمملكة الإنسانية، بل هي الملاك والأساس، أنعم الله عليها بالتشريف والتكريم بهذه الطهارة الحسية التي لا يعلم مقدار فضلها وكرامتها وتأثيرها للطهارة الباطنية إلا هو سبحانه، وجعلها ندبا لا يؤاخذ عبده بتركها، ولا يوقفه دون النجاة من العدل والتخليد في الفضل بفعلها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فيلفعل " (1).
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء، ص52، ح (136)، من طريق أبي هريرة، وأخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، ص126، ح (246)، من طريق ابي هريرة.
صفحة ٨٤