ومما يوضحه أن الصلاحية لو اختلفت بالنسبة إلى موجود وموجود لاختلفت بالنسبة إلى قدرة وقدرة حتى يقال تصلح قدرة زيد لحركة ولا تصلح قدرة عمرو لمثل تلك الحركة بل عند الخصم لما شملت الحقيقة جميع قدر البشر استوت كلها في الصلاحية كذلك شملت حقيقة الوجود جميع الموجودات فيجب أن تستوي في قبول أثر الصلاحية بل يمكن أن يقال أن الصلاحية ليست تابعة لحقيقة القدرة بل هي مختلفة بالنسب وعن هذا صلحت للإيجاد عندهم ولم تصلح للإعادة والإعادة إيجاد ثان وصلحت لتحصيل العلم ولم تصلح للغفلة عن ذلك العلم.
ومما يوضحه أن صلاحية القدرة لم تخل من أحد الأمرين إما أن تثبت عموما فيجب أن لا يختلف بالنسبة إلى موجود دون موجود كما بينا وإما أن تثبت خصوصا ولا دليل على التخصيص لبعض الموجودات دون البعض سرى جريان العادة بما ألفناه من الأفعال المنسوبة إلى العباد وسنبين أن ذلك على أي وجه يثبت وبالجملة فليس يصلح ذلك دليلا على حصر صلاحية القدرة فيها دون سائر الموجودات تجويزا وإمكانا.
فإن قيل ألستم أوجبتم تعلق القدرة الحادثة ببعض الموجودات دون البعض وسميتم نفس التعلق كسبا فما ذكرتموه في التعلق والكسب من التخصيص فهو جوابنا في الإيجاد من التخصيص.
ومن العجب أنكم تنكرون تأثير القدرة الحادثة وتثبتون التعلق فهلا جوزتم عموم التعلق حتى يتعلق بكل موجود قديم أو حادث جوهر أو عرض فإن خصصتم التعلق مع نفي التأثير فلا تستبعدوا منا تخصيص التعلق مع إثبات التأثير.
والجواب قلنا نحن بينا القدرة الحادثة وتعلقها بالمقدور ولم نثبت عموم التعلق ولا لزمنا ذلك إذ لم نعين جهة التأثير بالوجود والحدوث وأنتم عينتم جهة التأثير بالوجود من حيث هو وجود قضية عامة فلزمكم عموم التعلق والتأثير في كل موجود واستحال على أصلكم حصر صلاحية القدرة في بعض الموجودات دون البعض.
ولم يثبت شيخنا أبو الحسن رحمه الله للقدرة الحادثة صلاحية أصلا لا لجهة الوجود ولا لصفة من صفات الوجود فلم يلزمه التعميم والتخصيص وأما القاضي أبو بكر فقد أثبت لها أثرا كما سنذكره ولكنه يبرئ جهة الوجود عن التأثير فيه فلم يلزمه التعميم .
قال القاضي الإنسان يحس من نفسه تفرقة ضرورية بين حركتي الضرورية والاختيارية كحركة المرتعش وحركة المختار والتفرقة لم ترجع إلى نفس الحركتين من حيث الحركة لأنهما حركتان متماثلتان بل إلى زايد على كونهما حركة وهو كون أحدهما مقدورة مرادة وكون الثانية غير مقدورة ولا مرادة ثم لم يخل الأمر من أحد حالين إما أن يقال تعلقت القدرة بأحديهما تعلق العلم من غير تأثير أصلا فيؤدي ذلك إلى نفي التفرقة فإن نفي التأثير كنفي التعلق فيما يرجع إلى ذاتي الحركتين والإنسان لا يجد التفرقة فيهما وبينهما إلا في أمر زايد على وجودهما وأحوال وجودهما وإما أن يقال تعلقت القدرة بأحديهما تعلق تأثير لم يخل الحال من أحد أمرين إما أن يرجع التأثير إلى الوجود والحدوث وإما أن يرجع إلى صفة من صفات الوجود والأول باطل بما ذكرناه أنه لو أثر في الوجود لأثر في كل موجود فتعين أنه يرجع التأثير إلى صفة أخرى وهي حال زائدة على الوجود قال وعند الخصم قادرية الباري سبحانه لم تؤثر إلا في حال هو الوجود لأنه أثبت في العدم سائر صفات الأجناس من الشيئية والجوهرية والعرضية والكونية واللونية إلى أخص الصفات من الحركات والسكون والسوادية والبياضية فلم يبق سوى حالة واحدة هي الحدوث فليأخذ مني في قدرة العبد مثله.
فألزمه أصحابه أنك أثبت حالا مجهولة لا ندري ما هي إذ لا اسم لها ولا معنى.
صفحة ٢٥