قال المنكرون ولنا أسئلة أخرى وجب عليكم الجواب عنها منها أن الخارق للعادة إذا تكرر وتوالى صار معتادا بالاتفاق فما يؤمنكم في الحالة الأولى أنه من المتكررات المعتادة في ثاني الحال وإن لم يوجد في سابق الأحوال ألستم تشترطون أن يكون الخارق في زمن التكليف فإن في آخر الزمان تنخرق العادات كلها فتتكور الشمس وتتكدر النجوم وتسير الجبال وتنشق السماء وتزلزل الأرض فلو ادعى مدع أن هذه وأمثالها معجزاتي وهي بالاتفاق خوارق لا تندرج تحت قوة البشر ولا يتوصل إليه بالحيل بل تمحضت فعلا لله تعالى فلا يكون ذلك دليلا على دعوى هذا المدعي فالعاقل في زمن التكليف ربما يتوقع أن تتوالى الآيات فلا يحصل له العلم بكونها آية على صدقه ما لم يأمن التوالي والتعاقب بل يورثه ذلك توقفا وتربصا.
ومنها أن العقلاء كما يجوزون وقوع أمثاله في ثاني الحال كذلك يجوزون وقوع أمثاله في سالف الأيام أو في قطر آخر من الأقطار أو ظهور ذلك بفعل فاعل آخر وإن كانوا عاجزين عن معارضته فربما لا يعجز غيرهم فعجزهم لا يدل على صدقه.
ومنها أن الشك في صدقه لكل واحد من الناس فيجب أن يكون الرافع للشك لكل واحد واحد وعلى مقتضى ذلك يلزم أن يخصص كل واحد أو كل جمع غيب أو حضور بمعجزة خاصة وليس ذلك شرطا على أصلكم بل عندكم المعجزة الواحدة لجماعة من أهل الخبرة والبصيرة كافية ويلزم التصديق على غيرهم من أهل التقليد ولا يجب استمرار المعجزة في كل زمن بل لو استمرت خرجت عن الإعجاز والتحقت بالمعتاد فماذا يلزمنا تصديق الأنبياء الماضين ولم نجد في زماننا ما يدل على صدقهم وبما يلزم أهل الأقطار في زمانه ولم يشاهدوا ما ظهر على يده من الآيات وهذا مشكل.
ومنها أنكم إذا جوزتم الإضلال على الله تعالى فما يشعركم أنه يظهر الآيات على يدي كاذب ولا يظهرها على وفق صادق فلا ذلك يضره في الإلهية ولا هذا ينفعه في الربوبية وكثير من الأنبياء قد خلت دعوتهم من المعجزة فمضوا على أمر الله دعاة للخلق من غير التفات إلى طلب الآيات منهم ومن غير إكباب على طلب الآيات من الله تعالى فما بالكم ربطتم صدق الرسول بالمعجزات هذا الربط.
ومنها قولهم هل للخلق طريق إلى معرفة صدق الرسل سوى المعجزات الخارقة للعادات فإن منعتم ذلك فقد حصرتم القول وحسمتم الطريق على الله تعالى وذلك تعجيز وإن جوزتم ذلك فهلا وجب ذلك وجوب المعجزة فما الذي جعل المعجزة أولى بالدلالة من ذلك الدليل.
ومنها قولهم أنكم لا تخلون عن دعوى علم ضروري في وجه دلالة المعجزة فتارة تدعون الضروري من حيث القرينة الحالية وهي اقتران التحدي بالمعجزة وتارة تدعون ذلك من حيث دلالتها على قصد المخصص إلى التخصيص وتارة تدعون ذلك من حيث أنها نازلة منزلة التصديق بالقول وتارة تدعون ذلك من حيث سلامتها عن المعارضة فهلا ادعيتم الضرورة في أصل الدعوى أنه يعلم صدقه ضرورة.
ولئن قلتم أن قوله خبر يحتمل الصدق والكذب فيقال لكم والاحتمالات تتوجه إلى هذه الوجوه أيضا فبطل دعواكم الضرورة فيها خصوصا والمنازع فيها على رأس الإنكار " وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر " " وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " ما نسبتهم إلى العناد الصرف نسبوك إلى الجور المحض فما وجه الخلاص ولات حين مناص.
قال أهل الحق أما الجواب عن السؤال الأول أن المعتاد إنما لم يكن دليلا لأنه لا اختصاص له بدعوى المدعي وغير المعتاد يختص بدعواه اختصاص دلالة أما من حيث القرينة كحمرة الخجل وصفرة الوجل وأما من حيث أن اختصاص الفعل بدعواه كاختصاصه بوقت معين ثم اختصاصه بوقت معين دليل قصد المخصص بالوقت واختصاصه بدعواه دليل قصد المخصص إلى التصديق والوجهان حاصلان بنفس الاقتران ولو توالى الخارق بعد ذلك لم ترتفع هذه الدلالة فإن اعتياده في ثاني الحال لم يرفع القرينة الأولى ولا أبطل الاختصاص الأول وقال بعضهم المعجزة كما سلمت عن المعارضة تسلم عن الاعتياد في ثاني الحال ولهذا لم يعهد من معجزات الأنبياء ما كان خارقا في الأول ثم صار معتادا في الثاني الحال وإنما هو إلزام تجويزي عقلي فيندفع بما ذكرناه منعا للإلزام.
صفحة ١٥٢