بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب
. قال الحسن: وسألت أبي عن سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) في جلسائه فقال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم): دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤنس منه ولا يخيب فيه (1) قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء والاكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا أو لا يعيبه، ولا يطلب عودته، ولا يتكلم إلا فيما رجى ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده انصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم، يضحك مما يضحكون ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه فيقطعه بنهي أو قيام، وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الحمامة
. قال الحسن: وسألت أبي عن دخول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: كان إذا أوى إلى منزله وذكر مثلما تقدم، وقال: كان لا يجلس ولا يقوم إلا عن ذكر الله لا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها وقال: لا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم منه من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف.
وقال: ولا تؤبن فيه الحرم ولا تثني فلتاته معتدلين يتواصون فيه بالتقوى، وقال: قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وزاد في آخره قال: فسألته كيف كان سكوته؟
قال: كان سكوت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أربع: الحلم والحذر والتقدير والتفكير، أما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع من الناس، وأما التفكير ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربعة: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته، والقيام فيما هو خير لهم فيما
صفحة ٦٣