ولكن هناك أنواعا أربعة من القردة «العليا» قلما نراها في حدائق الحيوان، وظني أنه ليس في حديقة الجيزة الآن سوى واحد منها، وهذه الأنواع الأربعة هي: الجبون والأورانج أوتان في آسيا، والشمبنزي والغوريلا في إفريقيا.
والجبون أقلها رقيا إذا اعتبرنا المعنى الإنساني لهذه اللفظة، وهو أيضا أصغرها جسما، ثم هو إذا وقف كما يقف الإنسان مست أطارف يديه الأرض لطول ذراعيه، فهما أطول ذراعين في العالم، لا تجد لهما مثيلا في أي حيوان آخر إذا اعتبرنا النسبة إلى الجسم، وليس له في يديه من إبهام سوى العجز القصير، وليس له ذنب، ورأسه ووجهه كلاهما يشبه رأس الإنسان ووجهه، غير أن الأنف مفرطح، وترتيب أسنانه مثل ترتيب أسنان الإنسان، وتنبعت من عينيه السوداوين نظرة هدوء ليس فيها تلك المسحة الكاريكاتورية التي نراها في القردة الدنيا، وحنجرته تشبه حنجرة الإنسان؛ ولذلك يصوت تصويتا عاليا، ويفعل ذلك جماعة كأنه يلتذ صوته، وهو يعيش في جزر ملقا وسومطرا.
والجبون أبعد القردة العليا منا من حيث المشابهة في هيئة الجسم ومزاج النفس والخلق.
ويعيش في جزر سومطرا وملقا وبورنيو قرد آخر يدعى الأورانج أوتان، وهو يشبه الإنسان في صغره أكثر مما يشبهه عندما يتقدم في السن؛ فأطفاله تكاد تكون أطفالا بشرية تتدلل على صدر حاملها، وتضحك وتبكي، وإذا تركها حاملها على الأرض وسار بعيدا عنها أخذت في الصياح وضرب الأرض بيديها كما تفعل أطفالنا.
وعينا الأورانج صغيرتان، وهما قريبتان الواحدة من الأخرى، واليدان أطول من الساقين، وأصابع اليدين طويلة جدا إلا الإبهام فإنه قصير جدا، وليس في القدمين أظافر أحيانا؛ أي إنه هنا قد سبقنا في التطور، وهو كاس بطبقة خفيفة من الشعر الأسمر الذي يضرب إلى الحمرة. (الجبون: إذا وقف مست أطارف يديه الأرض)
وهو يعيش في الأشجار، ولا يحسن السير على قدميه، ويجهل السباحة ولا يحاولها؛ ولذلك توجد منه سلالات بعدد الجزائر التي يعيش فيها، وإن كان ما يفصل الجزيرة عن الأخرى خليج صغير، وهو يقطع الغصون ويبني منها عشه، ويعيش جماعات أشبه بالعائلة منها بالقطيع.
ولفظة «أورانج أوتان» تعني في لغة أهل بورنيو «إنسان الغابات»، وهي تدل على إحساس الأهلين نحو هذا الحيوان، وهم يعتقدون أنه يمكنه أن يتكلم، ولكنه يتعمد الصمت خشية أن يستخدمه الإنسان ويسترقه، وبعض الهولنديين في المستعمرات يقتنون صغار الأورانج لتعلب مع أطفالهم. (الأورانج أوتان: ذكر صغير السن، له لحية وشارب)
ويعيش الشمبنزي في إفريقيا، وهو أصغر جسما من الأورانج والغوريلا، وأكثر الناس يعرفونه للأعمال المختلفة التي يؤديها بحذق ومهارة على المسارح، ومزاجه لا يتغير إذا أسن، وهو مفراح لعوب، فيه شيء من الخبث، وهو يبني عشا مثل الأورانج، ويزيد عليه سقفا يقيه المطر ويتعهده بالترميم من وقت لآخر. (الشمبنزي: ذكر أصلع الرأس)
والغوريلا أكبر القردة العليا جسما، ويده أقرب الأيدي في تركيبها إلى يد الإنسان، وإن كانت إبهامه لا تختلف عن إبهام القردة الأخرى في الصغر، وهو يحمل غصون الأشجار ويضرب بها عدوه أحيانا، ولكنه يعتمد في الأكثر على قوة ذراعه التي تكفي لطمة واحدة منها لأن تقتل إنسانا.
وهو يعيش فيما يشبه النظام العائلي، فإذا جاء الليل انحدر من الشجرة ونام عند أصلها؛ كي يحرس الأنثى وأولادها في عشهن على الشجرة، وفي علاقة الغوريلا بأنثاه وبالشيوخ المسنة من نوعه ما يشبه الاحترام والوقار، وهو يفهم معنى الانتقام، ويغير على منازل الزنوج الذين يؤذونه، ولم يدخل إلى الآن (1927) في حدائق الحيوان في أوربا غوريلا ذكر، وقدم الغوريلا هي الوحيدة بين أقدام القردة العليا التي لا تزال يدا تؤدي وظيفة التناول والإمساك.
صفحة غير معروفة