وبخروج الفقريات إلى اليابسة ظهرت الحيوانات البرمائية؛ أي التي تعيش في البر والبحر؛ مثل الضفادع، وهي تقضي طورا من حياتها كالسمك لها خياشيم، وطورا آخر كحيوان اليابسة وحيوان البحر، ثم ظهرت الزواحف وملأت العالم.
وقد نشأت البرمائيات والزواحف من الأسماك، وأكبر ما يميز الواحدة عن الأخرى أن الأسماك تتنفس بخياشيم، أما الزواحف فبالرئات، والصلة بين الاثنين لا نزال نجدها؛ فإن في أكثر الأسماك كيسا يمتلئ هواء أحيانا، فتخف السمكة وتسهل عليها السباحة، وبعض السمك الذي يعيش في الأنهار؛ كسمكة الطين التي تعيش في النيل، تقضي عدة أشهر أحيانا في الطين عند انحسار الماء، فتخرج من وقت لآخر وتبتلع جرعة من الهواء في هذا الكيس، ثم تنغرز ثانيا في الطين، فإذا جاء الماء عادت واستنشقته بخياشيهما؛ فهذا الكيس هو أصل الرئة في الزواحف.
شكل 1: (سمكة الطين تعيش في النيل، تستنشق بخياشيم في الماء، ثم برئة ابتدائية في الهواء، فهي حلقة اتصال بين حيوان الماء وحيوان اليابسة)
وعصر الزواحف يمثل القرون المظلمة في تاريخ الأحياء؛ فقد جاء وقت ملأت فيه هذه الزواحف العالم، فكان منها الصغير الذي في حجم السلحفاة الآن، وكان منها الكبير الذي يشبه العظاية (السحلية)، وكان حجمه يبلغ عشرة أضعاف حجم الفيل، وكان منها آكل العشب، وآكل اللحم، ومنها البرمائي، ومنها الخاص باليابسة.
ثم جاء وقت انقرضت فيه هذه الحيوانات إلا القليل جدا، وكان انقراضها فجائيا، مما يدل على أن سبب ذلك في الأرجح هو تغير حدث في مناخ العالم، بظهور عصر جليدي نشر البرد فأباد هذه الحيوانات التي لم يكن لها صوف أو ريش يحيمها، كما أباد أيضا أنواع الأمونيت (من المحار) التي كانت تعج بها البحار في وقت الزواحف الكبرى.
ومن هذه الزواحف تفرع فرعان كبيران: أولهما الطيور، وثانيهما اللبونات التي ترضع أولادها.
فقد ورثت الزواحف عن الأسماك أربعة أطراف؛ هي الأيدي والأرجل، وكانت قبلا زعانف، فصارت الأيدي أجنحة للطير، بل لقد نشأ قبل نشوء الطيور الراهنة طيور أخرى من الزواحف كانت تطير بلا ريش، وإنما أطرافها متصلة بأغشية على نحو ما نرى في الخفاش، وقد انقرضت ولا علاقة لها بطيورنا الحاضرة.
وإنما يظن أن ريش الطائر نشأ من حراشف الزواحف، كما أن شعر اللبونات قد نشأ أيضا من هذه الحراشف (وبعضهم ينكر ذلك). ومن المعروف المشاهد أن في الشعر والريش مادة زيتية نشعر بها إذا وضعنا يدنا في شعر رأسنا ومشطناه بأصابعنا، ونراها أيضا عندما تسبح البطة في الماء ولا تبتل؛ فهذه المادة الزيتية هي أصل اللبن في الحيوان اللبون، ولا يزال يوجد بين اللبونات ما يعد حلقة الاتصال بين اللبونات العليا والزواحف. (أول الطيور: له ريش متحجر وله أسنان) (الصورة الأولى لمتحجر له، والثانية لهيكله العظمي، والثالثة بعد تركيب أعضائه)
ففي أستراليا - مثلا - حيوان يدعى الأخدنة، له خرطوم يلتقط به النمل ويأكله، وليس لهذا الحيوان ضرع أو ثدي، وإنما كل ما له أنه عندما يبيض (وهو لا يلد) يتشقق بطنه وتخرج منه مادة زيتية تشبه زيت الشعر فيلحسها أولاده، ثم يشترك هذا الحيوان والزواحف في أن له مخرجا واحدا يتبرز ويبول منه معا.
وقد كان ظهور اللبونات في الطبيعة من الانقلابات العظيمة؛ لأننا نجد في الرضاع استبقاء الطفل مع الأم، ومعاني الأمومة والعائلة والحب واللغة والجماعة والتعليم، وهذه هي الظروف التي ساعدت على وجود الإنسان بعد ذلك. (هيكل عظمي للأخدنة: أول اللبونات، وهو حيوان في أستراليا يقتات بالنمل، ويبيض، ولكنه يرضع أطفاله مثل البلاتيبوس)
صفحة غير معروفة