فالوظائف الفسيولوجية كانت قديما في الحيوان والنبات معممة منتشرة في جميع أنحاء الجسم، ثم حدث التخصص، فاختص عضو بالغذاء، وآخر بالتنفس، وآخر بالتلاقح، وآخر بالإحساس، وهلم جرا.
وإنما اتسم النبات بالبطء للظروف التي حاطته في تطوره؛ فقوته العصبية لا تزال في درجة القوة العصبية التي في ديدان الأرض، بل قد تكون أحط، ولكنها قوة عصبية مع ذلك لا تختلف عن تلك التي في الحيوان إلا من حيث الدرجة، فإن منشأ العقل في الإنسان نفسه هو الغريزة، وفي النبات ما يشبه الغريزة؛ فإننا إذا لمسنا دودة الأرض تقلصت، وكذلك تفعل شجيرة الميموزا التي يطلق عليها الناس اسم «المستحية»؛ لأن أوراقها تتهدل عند اللمس وتنكمش، وكذلك تفعل الزهرة التي تقبض على الحشرات وتأكلها؛ فإنها عندما تحس بالفراشة تحط عليها، تتنبه أعصابها فتنطوي عليها وتعصرها وتمصها وتمثلها.
وهناك اختلاف ظاهر بين شكل الحيوان وشكل النبات؛ فالأول ململم منطوي مدمج، والثاني منبسط منتشر، وهذا الفرق في الهيئة يوهمنا بأنه فرق كبير، ولكن الحقيقة أن طريقة الغذاء هي التي أوجدته؛ فالنبات يتغذى بأوراقه، وهذه الأوراق لا يمكنها إمداد الشجرة بالغذاء من الهواء إلا إذا تعرضت للشمس وللهواء، فالشجرة لذلك تنبسط وتنتشر بمقدار ما يسمح لها مكانها، أما الحيوان فإنه يغتذي بباطنه، وغذاؤه مركز أكثر من غذاء الشجرة، فهو لا يحتاج إلا إلى مقدار صغير بالنسبة إلى ما تحتاج إليه الشجرة، ثم قد يكون كثرة تعرضه للهواء ما يؤذيه؛ لأنه يفقد حرارته.
والخلاصة أن النبات والحيوان كليهما لا يختلف أحدهما عن الآخر إلا من حيث الظواهر، ولكنهما تشملهما حياة واحدة وقوانين واحدة في الغذاء والتنفس والنمو والتناسل والوراثة والتطور.
التطور في قشرة الأرض
قشرة الأرض مؤلفة من طبقات أبعدها في العمق أبعدها أيضا العمر، وهي متراكمة؛ الواحدة فوق الأخرى، وقد تتداخل هنا وهنا بفعل ثوران باطن الأرض، ولكن استقراءنا للطبقات في جميع القارات الخمس قد أنتج لنا نظاما لهذه الطبقات نعرف منه درجة القدم في كل طبقة
وفي كل من هذه الطبقات نجد متحجرات النبات والحيوان، ومتحجرات كل طبقة تختلف عن متحجرات أية طبقة أخرى مع شيء من التداخل أيضا؛ أي قد توجد متحجرات في طبقة ما ثم نجدها أيضا في الطبقتين المتحجرتين العليا والسفلى، ومرجع هذا التداخل حركات بركانية انفجارية أفسدت ترتيب الطبقات.
وهذه المتحجرات إذا تتبعناها من الطبقة السفلي حتى الطبقة العليا التي نعيش عليها فإننا نجدها توافق موكب التطور. وقبل الكلام عن دلالة هذه المتحجرات يجب أن نشرح كيفية قياس الطبقات، بحيث نعرف عمر كل منها، ومبلغ السنين التي مضت عليها، ثم كيفية حدوث التحجر في الحيوان أو النبات.
فهناك عدة طرق تعرف بها عمر الطبقات، أسهلها وأقربها إلى أذهاننا نحن المصريين ما نعرفه من رواسب الأنهار؛ فإن النيل في كل سنة تنساح مياهه في أرض مصر، وتفيض فيها وتتبخر وتبقى رواسبها، فهذه الرواسب ترفع سطح القطر المصري كل عام بمقدار صغير، فإذا حسبنا أن سطح مصر يرتفع مليمترا في العام بهذه الرواسب فهو يرتفع مترا كاملا في ألف عام، أو ألف متر في مليون عام، فإذا وجدنا حيوانا متحجرا على عمق 50 مترا حكمنا بأنه مات منذ خمسين ألف عام.
وما تفعله الأنهار تفعله الأمطار الكاسحة أيضا.
صفحة غير معروفة