وحرق الألمان 19 منزلا في مارفو وسبعة منازل أو ثمانية في غورت لافوري، وخربو قرية غلان برمتها وقرية تورب التي لم يبقوا فيها غير دار المحافظة والكنيسة ومنزلين آخرين، وأضرموا النار في قرية أوف فاحترق القسم الأكبر منها، وفي قرية أتربى لبثت 63 عائلة بلا مأوى. •••
وحرقت الجنود الألمانية الأبنية الجديدة - إلا خمسة منها - في قرية هويرون ولم تبق في قرية سرماز لايان إلا أربعين منزلا من تسعمائة منزل، وكذلك في قرية بينيكور سورسول فلم يبقوا إلا ثلاثة منازل، وأما بلدة سويب فحرقوها ولم يبقوا فيها حجرا على حجر.
وكان الجنود الألمان قبل أن يبدءوا بإضرام النار يطلقون سبيل الرجال في العراء، ثم يقولون إنهم لاذوا بالهرب ليجمعوا شملهم ويعيدوا الكرة علينا، وما شاكل هذه الأباطيل فيصدر ضباطهم - وهما عالمون بالحيلة - الأوامر بإضرام النار في تلك المدن والقرى. •••
التاريخ يعيد نفسه: إن من يتصفح صحف الأخبار في غضون الحرب السبعينية يرى جليا أن مخازي تلك الحرب وفظائعها لم تكن لتقل أذى عما ولي ذلك في الحرب العظمى، بل لم يوجد أدنى فرق يدل على ارتقاء الشعور الإنساني ارتقاء يسمو بالبشر إلى ذرى التمدن فيرفعهم عن المستوى الحيواني، ولقد يطول بنا المجال فيما لو تصدينا إلى نشر تلك الفظائع المطوية في بطون الأوراق، ولكنا نكتفي بذكر صداها بإثبات ما قالته بعض جرائد الفريقين أو آنذاك إشارة إلى إن الإنسانية لم تخط خطوة واحدة صحيحة في سبيل الإقلاع عن الفطرة الهمجية رغما عما تلتحف به من نعومة الملابس ولين الملامس.
قالت ألستنذرد في ديسمبر 1870: «إن البروسيين لم يكتفوا بفرض الضرائب والمغارم الثقيلة على المدن والقرى بل كانوا يهجمون على أملاك العامة ويمعنون فبها نهبا وسلبا وحرقا، ولهؤلاء القوم جشع عظيم في نهب الساعات والمجوهرات والحلي حتى فساطين النساء وثياب الأولاد وكانوا يجمعونها ويرسلونها إلى بلادهم، وقلما نجت قرية من النهب وأضرموا النار في الأبنية الأثرية والكنائس وذبحوا عددا كبيرا من الأسرى بلا شفقة ولا رحمة، وكانوا يجمعون الأهالي من غير الجنود ويضطرونهم إلى حفر الخنادق وترميم الحصون والجسور ويرهقونهم عذابا ومن يتأخر عن العمل كانوا يطلقون عليه الرصاص إرهابا لسواه.
وأرغموا أرباب الصحف أن يكتبوا متخنين في مدحهم والإطناب في عدلهم ومن لم يفعل يقفلون جريدته ويزجونه في غياهب السجون.»
ونشرت هذه الجريدة في موضع آخر في 29 نوفمبر سنة 1870 رسالة من أحد مكاتبيها قال: «إن أهل هولندا أرسلوا إلى فرسايل مستشفى نقالا مستكمل المعدات والأسرة والأدوية لمداواة الجرحى من البروسيين والفرنسويين معا، فاستلمه وكيل السفارة الهولندية وجعله في المدينة إلا أنه بعد معركة شامبيني هجم الضباط البروسيون على المستشفى وألقوا مرضى الفرنسويين وجرحاهم على الأرض ووضعوا جرحاهم على الأسرة مكانهم، فأقام المسيو فان دور ويلد وكيل هولندا الحجة على هذا الاعتداء، وقال إن الهولانديين تبرعوا بهذا المستشفى لجرحى الفريقين فلا يجوز أن يختصه فريق منهم لنفسه وأن ذلك مغاير لحقوق الإنسانية.
وهذا كان جواب الجنرال البروسي: «ولنا حق بأن نطرد كل الفرنسويين والهولنديين بنار بنادقنا.»
وأما المعتمد فسافر إلى الهاي مقيما الحجة على هؤلاء البرابرة.»
وقالت المورننج بوست: «إن أعمال الألمان في فرنسا ليست مما يستحق المدح، لا ننكر انتظام الجنود ودراية ضباطهم وحسن حركاتهم الحربية ولكن ما استعملوه من الفظائع والتوحش من الأهالي والأمور المخلة بحقوق الإنسانية والمعادات الدولية على ما رواه مكاتبونا الحربيون الكثيرون في تقاريرهم يجعلنا نحقر أعمالهم ونلقي تبعة الفظائع التي ارتكبها جنودهم على ضباطهم ورؤسائهم بعدما أطلقوا لهم العنان في السلب والنهب وحرق القرى وقتل الجرحى والأسرى، وفي اعتقادنا أن الحرب واقعة بين أمتين أوروبيتين راقيتين في الحضارة فكيف تبدلت الجيوش الألمانية ورجعت القهقري وتمثلت بعواطف التوتون أسلافها تلك العشائر التي جعلت أوروبا خرابا منذ ألف سنة، نعم إن جنود غليوم هي المنتصرة ولكن التاريخ سيجعل لها اسما محتقرا وسمعة مثلومة من جراء أعمالها البربرية وفظائعها الوحشية، ولا بد أن يحكم التاريخ حكما صارما على التاج الإمبراطوري الذي اكتسبه غليوم بما فعله جنوده.» •••
صفحة غير معروفة