الناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم
تصانيف
وأما ما اختلف فيه من ناسخ قول الله عز وجل ومنسوخه : ?ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم? [المائدة: 106] ، فزعم قوم: أنها في أهل الذمة وأنها محكمة، واحتجوا في ذلك بحجج منها حديث تميم الداري وأخيه النصرانيين [37/] وهما من لخم وكانا تاجرين إلى مكة والمدينة، ثم خرجا إلى الشام ومعهما ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص حتى إذا كانوا ببعض الطريق مرض بن أبى مارية، فكتب وصيته بيده [76ب - ب] ، ودسها في بعض أداته وأوصى إليهما؛ فلما مات فتحا متاعه وأخذا بعضه، فلما قدما على أهله فتحوا متاعه فوجدوا وصيته وفقدوا بعض ما فيها فسألوهما عن ذلك، فقالا: هذا ما قبضنا من متاعه، فرفعوهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت هذه الآية: ?ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين? [المائدة: 106] ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يستحلفوهما بالله الذي لا إله إلا هو ما قبضنا غير هذا ولا كتمنا، ففعلوا فمضوا ماشاء الله ثم ظهر معهما إناء من فضة منقوش بذهب، فقالوا: هذا من متاع صاحبنا، فقالا: شريناه منه قبل موته، فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت هذه الآية الأخرى وهي قوله تعالى: ?فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان? [المائدة: 107] ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ماكتما وغيبا فاستحلفهما ثم أن تميما أسلم بعد ذلك فكان يقول: صدق الله وصدق رسوله أنا أخذت الإناء، واحتجوا أن [17ب-أ] الآية خوطب بها أهل التوحيد جميعا فكيف تكون لبعض دون بعض؟ واحتجوا أيضا بإجماع المسلمين على أن الشهود لا يمين عليهم، وأنه لا يحبس شاهد حتى يستحلف من بعد صلاة العصر وأكثروا الحجج والتخليط في هذا القول، وأجازوا شهادة كل ذمي على المسلمين بما أصلوه من حججهم هذه، وقال آخرون: إن الآية كانت كذلك في أهل الذمة ثم نسخت، واحتجوا أيضا بحجج كثيرة. [77أ-ب]
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: فالقول عندنا وعند من قال بقولنا أن الآية محكمة، وهي في أهل الإسلام خاصة دون أهل الذمة، ومن الحجة على من خالفنا قول الله عز وجل: ?اثنان ذوا عدل منكم? فأين العدالة من أهل الذمة وهم يجعلون للرحمن ولدا، ويجحدون محمدا لعنهم الله.
وقد بلغني من حيث أحب [39/1] أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((المائدة آخر سورة نزلت من القرآن فأحلوا حلالها وحرموا حرامها))، ومن الحجة عليهم أيضا قوله تبارك وتعالى: ?وأشهدوا ذوي عدل منكم? ومن الحجة أيضا قول الله تعالى: ?ممن ترضون من الشهداء? فلا يكون من المشركين عدولا ولا رضى أبدا [8ب-ج] .
صفحة ٧٧