ولا فرق بين النفس والطبيعة. الكل نماء وحياة وإشراق. وتغيب الآيات الاجتماعية الموجهة إلى أوضاع العصر كما تفعل بعض الحركات السلفية الإصلاحية المعاصرة.
وأحيانا يكون استعمال الآية في غير محلها. ويتحول سبب النزول من الواقع التاريخي الأول إلى الوضع النفسي الحالي لدرجة الافتعال في الاستشهاد. وأحيانا يبدو القصد إيجاد مناسبة للاستشهاد بالآية. وتتكرر الآيات بنفس المعنى وفي نفس السياق وكأن المقصود هو مزيد من الإقناع أو اللازمة الشعرية من أجل ضبط الايقاع النفسي. ويتم التوجه نحو العواطف للتأثير واستبعاد العقل لنزع المقاومة ومنع الاعتراض، واستعمال النصوص للتستر والتغطية اعتمادا على السلطة. لا يوجد إقناع عقلي بل تملق لأذواق الجمهور بطريقة حسية ساذجة، وإيهامهم بالخلاص مع كثرة البسملات والحمدلات لتجريد الفرد من سلاح الفردية. وتكثر الموضوعات الخيالية في المقدمة مثل الجن وإبليس والشيطان وآدم وحواء من أجل إثارة الخيال الشعبي، وتدخل في أساطير السقوط والخلاص في تاريخ الأديان. ومن الغريب ترديد الحكم الشائع أن الرسائل تضمن إعلاء للعقل والحكمة أمام هذه الكثرة من آيات الجن استرعاء للانتباه وإثارة للخيال.
وفي نظرية العلم تذكر آية النور، نور الله كمشكاة فيها مصباح، والمصباح في زجاجة، والزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد من شجرة زيتونة مباركة لا شرقية ولا غربية كمثل على العلم، ولله المثل الأعلى. هو كشف الغطاء بعد أن يصبح البصر حديدا وكما حدث للرسول في الإسراء والمعراج. والرؤيا أحد مصادر العلم، ورؤى الأنبياء صادقة مثل رؤية يوسف التي حسده عليها إخوته. والقرآن مصدر للعلم بشرط عدم النسيان. فالعلم ذكرى ولا يذكر إلا أولوا الألباب. بل إن الجن سمع القرآن وآمن به استرقاقا ولم يكن الإنسان قبله يعلم شيئا منه عن طريق الوحي.
185
ومع ذلك هناك المعرفة الطبيعية التي تأتي من التأمل في النفس وفي الآفاق، والمعرفة بالقلب، وإدراك الحواس مشروطة به وإلا كان البشر كالأغنام. والسمع والروح والفؤاد ضمن مسئولية الإنسان. والعلم قوة وإلا كان مجرد أسماء فارغة من أي سلطان. لذلك وضع الجدل في العلم والعلماء يخشون الله. ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.
186
وفي نظرية الوجود، الخلق صفة لله، ومن أحسن من الله صبغة. قدر فهدى، وأخرج المرعى، وخلق السموات والأرض في ستة أيام. ولا يوجد تفاوت في الخلق؛ فقد خلق كل شيء بقدر. ذلك تقدير العزيز الحكيم، وكل في فلك يسبحون. وخلق آدم من الطين وإبليس من النار. وطور الجنين من العظم إلى اللحم وحسن الخلقة. وهو الذي يصور في الأرحام. لقد جهل إبليس دور الشر فظهر دور التجلي. وخلق عيسى مثل آدم من تراب ثم قال كن فيكون. وخلق الإنسان من نطفة أمشاج، وجعل له السمع والبصر والفؤاد ثم أهداه السبيل، شاكرا أم كفورا. وخلق الناس من نفس واحدة. والخلق يبعث على التفكير.
187
فلا يوجد شيء باطل في العالم. وينتهي الفكر إلى أن الله خالق العالم. فكل آية تدل على وجوده في النفس أو في الأرض، في الداخل أو في الخارج، بناء على شهادة في عهد الذر الأول. فالمستنكر والمنكر يخرج على هذا العهد. ومن لم يشهد تحول قردا أو خنزيرا وعبد الطاغوت، وتحول إلى حجارة أو حديد، وأوتي من الأموال والأولاد وكل ما وعده الشيطان من شرور. ويضرب القرآن المثل بالشجرة الخبيثة التي ليس لها قرار أو ثمار. وخلق الناس من نفس واحدة.
188
صفحة غير معروفة