الظلم والاستبداد ينشأان عن علتين؛ أولاهما: أن يحمل الحاكم بين جنبيه أهواء غالبة ونفسا غير زاكية. وثانيتهما: جهل الأمة وتخاذلها بحيث لا يتحد زعماؤها على تقويمه بالتي هي أحكم وأقطع لدابر الاستبداد.
وقد بنيت الخلافة بحق على ما يتوقى به من هاتين العلتين الفاقرتين، فجاء في شروط الخليفة أن يكون عالما عادلا، وجاء في واجبات الأمة أن تشاركه في الرأي، وتقوم على مراقبته وحمله على طريق العدل بالوسائل الكافية.
فإن وقع من الخليفة استبداد أو عدوان؛ فالتبعة ملقاة على عنق الأمة لا على مشروع الخلافة، ولو كان مقام الخلافة يحمل بطبيعته على الاستبداد والبغي لم ترفع العدالة رأسها، ولم تنشط الحرية من عقالها يوم جلس عليه الخلفاء الراشدون ومن حذا حذوهم كعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه. •••
قال المؤلف في ص30: «من هنا نشأ الضغط الملوكي على حرية العلم، واستبداد الملوك بمعاهد التعليم.»
بخس المؤلف حظ المسلمين في السياسة فكففنا شيئا من غلوائه، وما راعنا منه الآن إلا أن يلصق بملوك الإسلام وصمة الضغط على حرية العلم، ويطلق العبارة بكل صراحة كأنه لا يشعر بأن في الدنيا شيئا يقال له: التاريخ!
أيريد منا أن نطارحه الحديث في النهضة العلمية الإسلامية فنقف به على مبدأ نشأتها، أو نمر به على سائر أطوارها، ونريه كيف كان الملوك والأمراء يسعدونها بالترجمة، وإنشاء المدارس، وتأسيس المكاتب، وإجلال العلماء، وإسباغ النعم على المؤلفين؟! إنا عن تفصيل الحديث في هذا السبيل لفي شغل، ولا طاقة لنا إلا بأن نلقي على الحكومات الإسلامية نظرة إجمالية، ونقول فيها كلمة يطل منها القارئ على الحقيقة؛ ليشهد على بينة بأن المؤلف يباهت المسلمين وملوكهم على مسمع من التاريخ، ومرأى من مآثرهم الباقية.
قامت دولة بني أمية وكانت هممهم مصروفة إلى فتح البلاد، وتوسيع نطاق الدولة الإسلامية، فلم تتوجه عنايتهم إلى الزيادة على ما بين أيديهم من علوم إسلامية أو عربية، سوى ما جاء في التاريخ من أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - كان «يستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها، والعجم وملوكها وسياستها لرعيتها، وسائر ملوك الأمم وحروبها ومكايدها وسياستها لرعيتها، وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة.»
38
أو ما قام به خالد بن يزيد بن معاوية من نفسه، فاستقدم راهبا روميا من إسكندرية وأخذ عنه صناعة الكيمياء، ثم أمر بنقلها إلى العربية، وكذلك عرب ماسرجويه، أحد الأطباء المعاصرين لعبد الملك بن مروان، كتابا في الطب، وبقي في خزائن الكتب بالشام، ولما تولى عمر بن عبد العزيز أخرجه منها وأصبح متداولا في أيدي الناس. وجاء في الفهرست لابن النديم
39
صفحة غير معروفة