أقول: وقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم ذلك كما في تلك الرسالة، وكما سنذكره في الخاتمة إن شاء الله تعالى ولا يلزم تكرار البيان وان كان مما تعم فيه البلوى فإن الغائط والبول مثلا أعم بلوى من نجاسة الدم وأكثر وقوعا منه، ولم يتكرر بيان حكمهما ولم ينقل عن أحد من الصحابة كيفية إزالتهما إلا ما نقل عن أهل قباء لما سئلوا، فبهذا تعرف أن ما كان أكثر دورانا كان إلى تكرار البيان أقل احتياجا.
وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إل دليل
ثم ذكر بعده عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة واستدل عليه بأدلة تشهد على تخليطه عند من يعقل مواقعها ثم خاض في لجج العمى وتخبط تخبط العشواء ومنع في خلال تخطه القياس وقد أثبت أولا الأجر للمجتهدين المستنبطين للأحكام بالقياس وسعى في نقض العلة للقائسين بعد تخبطه كما ستقف عليه، فلا هو ممن أبطل القياس ولا هو ممن أثبته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له نصيرا، وذكر في خلال ذلك التخليط أيضا نصيحة بلفظ مشورة ومنظوم كاسدان عند أهل المنطوق والمفهوم ، ولولا خوف ما يفوتني من الزمان لبينت موقع ذلك الهذيان، ولولا صون علم العروض وجلالته لدينا من أن يعرض عليه مثل ذلك النظم لبينت ما فيه من الخلل،ولكن ميزان المسك لا يوزن فيه بذر البصل .
قوله: فإذا تحققت وأمعنت النظر في العلة وجدت الدم المسفوح مباينا لدم الحيض ومحالف له في لونه ورائحته في دم الحيض أسود ثخين منتن الرائحة،والدم المسفوح ليس كذلك كما أن لحم الخنزير مباين للحم الميتة في لونه ورائحته والعلة هي الرائحة المنتنة، وكذا البول والغائط وإن ورد التخفيف في بعضها فعلى مدعي اتحاد العلة الدليل .
صفحة ٤٥