وبعبارة ثالثة: إن منهجًا كان قادرًا على تصفية المنقولات حينما كانت تتزايد بالخطأ والكذب كل يوم، ألن يكون قادرًا على تصفيتها بعد أن انحصرت بالتدوين الشامل (صوابَها وخطأها وكذبها) في عدد معيَّن؟!! (١) .
وأخيرًا: هل يُمكن أن يوجد منهجٌ للنقد أفضل من ذلك المنهج الذي استطاع تصفية السنة في أخطر مراحل وُجودها؟! هل يُمكن لأحدٍ أن يدّعي منهجًا مخالفًا لذلك المنهج يكفل لنا به ما كفله لنا ذلك المنهج؟!! لاشك أن المنهج الذي استطاع أن يواجه تلك الأخطار، وأن يدفعها كلها، هو أفضل المناهج على الإطلاق. وأنّ من أراد أن يستبدل به منهجًا آخر، أقلّ ما يُقال له: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير (البقرة: ٦١) .
وهنا يأتي السؤال الأهم: فمن أراد أن يتعرّف على منهج نقد السنّة عمّن يأخذه؟ من هُمْ أهل ذلك المنهج (المكوّنِ من قواعد ومصطلحات) الذين إن أردنا أن ندرس منهج نقد السنة لزمنا أن لا نتجاوزهم وأن لا نخالفهم؟ ومن هم الذين يُحتكم إليهم في تصويب المنهج أو تخطئته؟ ويُمدح من سار على منهجهم ويُذمّ من خالفه؟
لا يخفى على أحدٍ منكم الجواب عن هذا السؤال (أو الأسئلة) .
_________
(١) ولا يعني ذلك أن الخطأ والكذب قد انتهى بعد اكتمال تدوين السنة، ولكن يعني أنه لن يشتبه بالصواب، وسيكون نَقْدُهُ أسهل بعد التدوين؛ لأنه خرجَ عن احتمال أن يكون صوابًا، بعدم وجوده مدوَّنًا بعد اكتمال التدوين.
وهذا ما ذكره البيهقي عندما قال: «وهو أنّ الأحاديث التي قد صحّت، أو وقفت بين الصحّة والسُّقْم قد دُوّنت وكُتبت في الجوامع التي جمعها أئمةُ أهل العلم بالحديث، ولا يجوز أن يذهب منها شيءٌ على جميعِهم، وإن جاز أن تذهب على بعضهم؛ لضمان صاحب الشريعة حفظها. فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم، لم يُقبل منه..» . مناقب الشافعي للبيهقي (٢/٣٢١) .
1 / 11