ومضى هو يرد على تحديق العينين المثبتتين عليهما بتحديق كأنما يدفع به الموت المنصب من عينيها، وبتحديق هاتف يقول: لا للموت، لا. إلى اللحظة التي بدأ فيها وكأن نبض الحياة قد اتحد بنبض الموت، وأصبح للكائنات الموجودة بالحجرة - ميتة وحية ومترددة بين الموت والحياة - نبض واحد متسق لا نشاز فيه.
وقبل أن يفقد وعيه بوجودها أحس أن السيدة لا بد قد استردت وعيها للحظة؛ فقد بدا من نظراتها أنها لأول مرة تراهما رأي العين وتدرك تماما ما يدور، وأنها ما كادت تسترد الوعي حتى انتهى، ولكن اللحظة كانت كافية لتصنع ملامحها شيئا كالابتسامة، ابتسامة مندهشة قليلا كابتسامة طفل فتح عينيه لأول مرة على الحياة فيدهشه ما يرى.
وما كاد يستعيد الوعي ويعود يحدق في السيدة، حتى وجد أن كل شيء لا يزال كما تركه، وابتسامة الدهشة القليلة لا تزال قائمة وموجودة، والعينان أيضا مفتوحتان على آخرهما بأوسع اتساع. شيء واحد فقط هو الذي غاب، نبض الموت؛ إذ قد انتهى الشخير والشهيق والزفير والتنفس. •••
وكأنه أيضا للحظة قد توحد كل شيء، واشتبكت إغماءة النهاية بإغماءة البداية، أول البداية ونهاية النهاية، لحظة خروج الحي من الميت، والميت من الحي، لحظة كأنما أبت السيدة الطيبة إلا أن تحتشد وبآخر ما تملك تسجل بشبكتيها للمشهد صورة، صورة تبقى في عينيها وتخلد إلى الأبد.
دستور ... يا سيدة
المربع الأول
الظهر، ظهرها كله أصبح مربعات كبيرة محمرة داخلها مربعات أصغر، فيها ألم. بالراحة، بالعقل، بالحنية، أبدا أبدا ليس هكذا أرادت أو تريد، لا بد أن تهتف صارخة دافعة إياه بكل غلظة: حاسب، اوعى، اوعى!
مفاجأة لم تكن متوقعة! المفروض أن يتحول إلى وحش، إلى كائن مرعب يخضعها، ولكن على نصف جانب، وثنية رجل ويد شبه مرفوعة في الهواء حيرى ماذا تفعل، سكن. العيون، عيناه مفتوحتان في دهشة، والملامح تنطق بشعور طفل أذنب رغم أنفه ويريد البراءة. ماذا حدث؟ سألها خائفا أن يقترب أو يلمسها. لم تجب، ماذا تقول؟ كيف تجعله يفهم أشياء هي نفسها، وإن كانت تحسها، لكنها لا تعرف كيف تصوغها كلمات محددة مفهومة؟ أهذا وقت التراجع والعدول النهائي؟ كيف؟ وما تصورته الأفظع والأبشع والمستحيل قد تم.
أحست في قمة الغضب التعس بيده تقترب، كقطة متلصصة تعرف أن ما تريده ليس من حقها. دفعت اليد جانبا بقوة وقسوة لم تردها أبدا، ولا تخصها، لكأنها قسوة امرأة أخرى داخلها، امرأة لا تعرفها.
صمت.
صفحة غير معروفة