لو تعرف كيف تكون غنيا في فقرك، وفقيرا بغناك،
لاستطعت أن تعطي وتأخذ، أن تتلقى وتجود!
مثل هذه النافورة التي تتدفق فتسخو، وتمتلئ
فتنهمر، وتصب عطاءها في حوض بعد حوض.
1
كأسك المرة ورسالة استغاثة في زجاجة
البريد
كأسك المرة يشربها في الصباح، يشربها في المساء، يشربها في الصحو وفي النوم ، يشربها في النهار والليل، يشربها يشربها.
كأسك المرة يا رجاء، يا دعاء، يا هناء، يا سناء، يا أسما - لا أفصح عنه - يحوي الأسماء، يشربه في الليل والنهار، في الصبح والمساء ...
والرجل الطيب المكتئب ذو الشعر الأبيض، كالثلج يشرب كأسك المرة يشربها، يحفر لنفسه في كل الأوقات قبرا يسكنه، لا يبرحه، قبرا لا يرى فيه غيرك ولا يحس بغيرك، ويشرب كأسك المرة في أوقات الليل والنهار ... يشربه يشربه منذ شبابه الباكر عندما أحبك - يا جارته المرة - حب الجنون، ومنذ أن خذلته ورفضت حبه الكسير المستحيل، منذ أن شله العجز والخجل الفطري الملعون فلم يخاطب لسانه لسانك، ولم تلمس يده يدك، ولم يعرف إلا نظرة عينيك القاسيتين الساحرتين، من شباكك أو شرفة مسكنك، عينيك السوداوين الواسعتين اللتين نفذت سهامهما المشتعلة في صدره، ولم يزل يشرب كأسهما المرتين في الصباح والمساء، في العمل وفي الراحة، وهو جالس إلى مكتبه يقرأ ويكتب، وهو في قاعة المحاضرات أو الندوات والمؤتمرات يثرثر ويثرثر، منذ ذلك اليوم الذي رآك فيه ونفذت سهامك المشتعلة في صدره، في غرفه السرية الدفينة، في قلب كيانه البائس الكئيب، وهو يشرب كأسك المرة، يشربها، ويشرب ويشرب.
صفحة غير معروفة