ولا يحتاج إلى الوسواس فى أفعله فهو إذن عبث! فإذا كان عبثا فليس للشيطان فيما يلحق العبد مدخل البتة ، فكيف تجب الاستعاذة بالله منه؟!
ومن وجه آخر : وهو أن الشيطان إذا وسوس ، فالوسوسة فيه واجبة لأمر لا يتعلق بنا ، وإذا أخطأنا فذلك واجب فينا ، لأمر (1) لا يتعلق بالشيطان ، فلم صرنا بأن نستعيذ من الشيطان بأولى من أن يستعيذ الشيطان منا فى هذا الفعل خاصة؟
ومن وجه آخر : وهو أنه تعالى بين أنه لا سلطان له على الذين آمنوا ، وأن سلطانه على الذين يتولونه ، ولو كان ما يحدث فى المؤمن وفيمن يتولاه ، من قبله تعالى ، لكان حاله فيهما سواء ، فى أنه لا سلطان له عليهما.
فإن قال : فهذا يلزمكم إذا قلتم إن المؤمن ومن يتولاه يتساويان ، فى أن ما فعلاه من قبلهما!.
قيل له : لا يجب ذلك ؛ لأن من يتولاه صار الوسواس الواقع من الشيطان داعية له إلى الفعل ، فأقدم عليه لأجله ، وعلى جهة القبول منه ، وليس كذلك المؤمن ؛ لأنه أبى أن يقبل منه ، ولم يؤثر وسواسه فيه ، فلذلك افترقا ولو كان تعالى هو الخالق لفعلهما ولا يجوز أن يقال فى وسوسته إنه يدعو (2) القديم إلى الفعل أو يفعله لأجل قبوله منه ، فوجب ما ذكرناه على المخالف.
فإن قيل : إذا كان يدعو من يتولاه على الحد الذى يدعو المؤمن ، فكيف يجوز أن يقول تعالى : ليس له سلطان على الذين آمنوا ، وإنما سلطانه
صفحة ٤٥٣