كان الرقص قبل اليوم تفككا، فكل حركة فيه كانت رقصا، وأما اليوم فإن الرقص لغة أخرى تمثل معاني النفس تمثيلا، وقد يمثلون بالرقص ما لا يمثله كلام. قد يكون في الرقص خشوع، وقد يكون فيه حماسة، وقد يكون فيه حب، وقد يكون فيه بكاء، وقد يكون فيه وعظ.
فأنت ترى من هذا كله أن الناس صاروا يميلون في كل مظاهر الحياة إلى الأساليب الطبيعية، وليس شيء أثقل على الروح في هذا العصر من التكلف.
فالأسلوب الطبيعي للكتابة أن يكتب الإنسان كما يفكر وكما يتحدث، فمن حاول أن يكتب ما لا يفكر فيه أو يتحدث به هو أو غيره، وما لا يلائم الحياة في شيء فقد تكلف، قد يكون تفكيره أو حديثه شيئا وما يكتبه شيئا آخر، قد يترجم حديثه نفسه وأما كتابته فلا.
إذا أراد الكاتب من أصحاب المذهب القديم أن يكتب فلا يستوحي عقله أو قلبه، ولا يستعمل من الألفاظ ما يؤدي مراده ويناسب المقام ويفهمه الناس، ولكنه يستوحي القدماء، يفتش عما قالوه في موضوعه في كل مظنة فيستعير معانيهم وألفاظهم ويدعيها لنفسه. لا تقرأ شيئا لهؤلاء الكتاب إلا أحسست أن كل لفظة فيه ليست لهم.
كان القدماء يستحسنون «التضمين» وهو أن يأخذ الشاعر أو الكاتب شطرا من شعر غيره بلفظه ومعناه، و«الاستعانة» وهي أن يأخذ بيتا كاملا، و«الإيداع» وهو أن يصرف معنى ما يأخذه من أقوال غيره عن مراد صاحبه، كما فعل الشيخ صلاح الدين الصفدي والشيخ جمال الدين بن نباتة بإعجاز معلقة امرئ القيس متعاتبين، فقال الأول في أول قصيدته:
أفي كل يوم منك عتب يسوءني
كجلمود صخر حطه السيل من عل
فأجابه الثاني بقصيدة قال في أولها:
فطمت ولائي ثم أقبلت عاتبا
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل
صفحة غير معروفة