وأما الثاني: فهو بمعنى صفاته القائمة به المميزة له عن غيره، كما يقال في حُلية الموصوف ونعوته، فله حد بهذا الاعتبار.
وأما «الحد» بمعنى المقدار والنهاية فهذا مورد النزاع، فقيل: لا حد له ولا غاية ولا مقدار وقيل: له حد من جانب العرش فقط وقيل: له حد ونهاية لا يعلمها غيره؛ إذ لا يعقل موجود بدون ذلك، وقد يقال: إن ابن المبارك وغيره قصدوه، إذ لو لم يريدوا ذلك لم يكن حاجة إلى قولهم: على عرشه بل يكفي أن يقال: هو منفصل عن خلقه متميز عنهم (١) .
[الرد على من يقول بنفي الفوقية معللا بلزوم الجهة وقدمها أو لزوم الانتقال]
قول من قال: يلزم من كون الشيء فوق كونه في جهة -سواء كانت الجهة داخل العالم أو خارجه- وثبوت الانقسام لذاته، لأن كل واحد من جوانبه غير الجانب الآخر، وكل ممكن القسمة لذاته ممكن الوجود لذاته ويلزم أيضا من كون الشيء في جهة: إما قدم الجهة وإما ثبوت الانتقال.
فالجواب عن ذلك: أما الحجة الأولى فللناس في جوابها طريقان:
أحدهما: أنه تعالى فوق العرش، وهو مع ذلك ليس بداخل العالم ولا بمنقسم. وهذا قول الكلابية وأئمة الأشعرية وغيرهم. وإذا قيل لهم: هذا ممتنع. قالوا: إثبات وجود م وجود لا داخل العالم ولا خارجه أبعد عن العقول من إثبات موجود خارج العالم وليس بجسم ولا منقسم، فإن كان الأول جائزا في العقل فالثاني أولى بالجواز وإن كان ممتنعا بطل قول النفاة.
الطريق الثاني: أن يقال: هل الانقسام فيه بالفعل أو بالإمكان؟ فإن
_________
(١) مجموع ٦٩ ص ١٤٥ فيه زيادة.
1 / 68