القصيدة يتقبلها الزنديق التلمساني ونحوه ممن يقول: إن الله هو وجود المخلوقات؛ وقد نقلها قوم صحيحو الاعتقاد من الصوفية، وأخذوا ما فيها من وصف الحب وأهله، وتنازع الفريقان قوله:
ولي من أتم النظرتين إشارة ... تنزه عن رأي الحلول عقيدتي
فأولئك المنافقون يقولون: إنه متعد الحلول إلى الاتحاد، بل إلى وحدة الوجود؛ فإن الحلول من حال إلى محل، وهذا يثبته، وإنما الوجود شيء واحد، فهذا أراد.
والمؤمنون يقولون: بل أراد إثبات عبوديته لله، وأنه لا يحل مخلوقاته؛ بل هو بائن من خلقه، كما هو مذهب المسلمين أهل السنة والجماعة.
لكن من تأمل بقية هذه القصيدة وتأمل هذه الأبيات وما بعدها وجدها صريحة في مذهب الاتحادية المنافقين الفرعونية القرامطة، وعلم أن نَفَسَهُ وَنَفَسَ التلمساني هو نَفَسُ ابن عربي، وأن هؤلاء كلهم قولهم كفر صريح معلوم فساده بالاضطرار العقلي والشرعي، والاضطرار الذوقي أيضا؛ ولكن كثرة ما يصفون جنس الحب يبقى في كلامهم إجمال.
وكذلك «الأصوات المثيرة للوجد والطرب» تحرك كل قلب إلى مطلوبه قد اشترك فيها: محب الرحمن، ومحب الإيمان، ومحب الغلمان، ومحب النسوان، ومحب المردان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ولهذا لم تجئ الشريعة بهذا السماع، ولا فعلها القرون الثلاثة الفاضلة، بل هو محدث في حدود أواخر المائة الثامنة؛ ولهذا امتنع عن حضوره أكابر العارفين وأئمة العلم وأهل الاتباع للشريعة، ونهوا عنه.
وقد حضره جماعة من المشايخ الصالحين وأهل الأحوال لما تثير فيهم من وجدهم الكامن، فيثير العزم الساكن، ويهيج الوجد القاطن؛ وكانوا في حضوره على درجات، وشاركهم فيه جماعات من أهل البدع
1 / 39