وكان إبراهيم مع علمه وطبعه مقصرا عن أداء الغناء القديم وعن أن ينحوه في صنعته، فكان يحذف نغم الأغاني الكثيرة العمل حذفا شديدا ويخففها على قدر ما يصلح له ويفي بأدائه؛ فإذا عيب ذلك عليه قال: «أنا ملك وابن ملك أغني كما أشتهي، وعلى ما ألتذ.» فهو أول من أفسد الغناء القديم، وجعل للناس طريقا إلى الجسارة على تغييره، فالناس إلى الآن في ذلك صنفان: صنف على مذهب إسحاق وأصحابه ممن ينكرون تغيير الغناء القديم ويعظمون الإقدام عليه، ويعيبون من فعله؛ فهم يغنون الغناء القديم على جهته أو قريبا منها، وصنف أخذوا بمذهب إبراهيم بن المهدي أو اقتدوا به. (5) من الفارسية إلى العربية
ولا ريب أن الغناء قديم في الفرس والروم، ولم يكن للعرب قبل ذلك إلا الحداء والنشيد، وكانوا يسمونه الركبانية.
وأول من نقل الغناء العجمي إلى العربي من أهل مكة سعيد بن مسجح، ومن أهل المدينة سائب خاثر، وأول من صنع الهزج طويس، كذلك قال النويري في «نهاية الأرب» ج4 ص256.
وفي أوائل محاضرات السيوطي: وأول من غنى الغناء العربي «طويس» وكان يكنى أبا عبد الرحيم، كان اسمه طاوس فلما تخنث صغروه، وضرب به المثل في المدينة المشرفة بالشآمة، فيقال: أشأم من طويس، وهو أول من اتخذ «الرمل»، كان يقول عن نفسه: «أنا طاوس الجحيم، أنا أشأم من يمشي على ظهر الحطيم.» يعني على ظهر الأرض، وله مناقب متعلقة بالشآمة.
وفيها أيضا: وأول صوت غني به في الإسلام كان يغني به طويس هو:
قد براني الشوق حتى
كدت من وجدي أذوب
وفيها أيضا: أول من تغنى على وجه الأرض إبليس، ثم زمر بعد الغناء، ثم حدا، ثم ناح.
وفيها: أول من اتخذ المغاني وتغنى له من الملوك «نمروذ»، وأول من اتخذ المغاني والندامى في مجالس الخمر «يزيد المرواني» من ملوك الجبابرة، وأول من تغنى من الأنصار على الطنبور في الإسلام رجل بالكوفة يقال له «أحمد بن أمامة الكوفي»، وأول من دون الغناء والرمل للمخنثين طويس المذكور، وقيل رجل يقال له «يونس الكاتب»، وأول من وضع الآلة المعروفة للغناء المسماة بالقانون ورتبها أبو نصر الفارابي أستاذ ابن سينا.
وفي «بهجة التاريخ»: أول من ضرب بالعود على الغناء العربي ابن سريج، أخذه من العجم الذين أقدمهم ابن الزبير لبناء المسجد الحرام.
صفحة غير معروفة