فلما سمع آدم ذلك ازداد حزنا وجزعا على الماضي والباقي، وعلم أن القاتل مقتول؟ فأوحى الله إليه إني مخرج منك نوري الذي به السلوك في القنوات الطاهرة والأرومات الشريفة، وأباهي به الأنوار، وأجعله خاتم الأنبياء، وأجعل آله خيار الأئمة الخلفاء، وأختم الزمان بمدتهم، وأغص الأرض بدعوتهم، وأنشرها بشيعتهم، فشمز وتطهر، وقدس، وسبح، واغش زوجتك على طهارة منها، فإن وديعتى تنتقل منكما إلى الولد الكائن منكما، فاقع آدم حواء، فحملت لوقتها، وأشرق جبينها، وتلألأ النور في مخايلها، ولمع من محاجرها، حتى إذا انتهى حملها وضعت نسمة كأسر ما يكون من الذكران، وأتمهم وقارا، وأحسنهم صورة، وأكملهم هيئة، وأعدلهم خلقا، مجللا بالنور والهيبة، موشحا بالجلالة والأبهة، فانتقل النور من حواء إليه حتى لمع في أساريرجبهته وبسق في غرة طلعته، فسما ه آدم شيثا، وقيل شيث هبة الله، حتى إذا ترعرع وأيفع وكمل واستبصر أوعز إليه آدم وصيته، وعرفه محل ما استودعه، وأعلمه أنه حجة الله بعده. وخليفته في الأرض، والمؤدي حق الله إلى أوصيائه، وأنه ثاني انتقالى النر الطاهرة، والجرثومة الزاهرة.
وصية آدم لشيث ثم وفاته
ثم إن آدم حين أدى الوصية إلى شيث احتقبها، واحتفظ بمكنونها، وأتت وفاة آدم عليه السلام، وقرب انتقاله، فتوفي يوم الجمعة لست خلون من نيسان، في الساعة التي كان فيها خلقه، وكان عمره عليه السلام تسعمائة سنة وثلاثين سنة، وكان قد وصى ابنه شيثا عليه السلام على ولده، ويقال: إن آدم مات عن أربعين ألفا من ولده وولد ولده.وتنازع الناس في قبره فمنهم من زعم أن قبره بمنى في مسجد الخيف، ومنهم من رأى أنه في كهف في جبل أبي قبيس، وقيل غيرذ لك، والله أعلم بحقيقة الحال.
حكم شيث بن آدم
وإن شيثا حكم في الناس، واستشرع صحف أبيه وما أنزل عليه في خاصته من الأسفار والأشراع، وإن شيثا واقع امرأته فحملت بأنوش فانتقل النور إليها، حتى إذا وضعته لاح النور عليه، فلما بلغ الوصاة أوعز إليه شيث في شأن الوديعة وعرفه شأنها وأنها شرفهم وكرمهم وأوعز إليه أن ينبه وللده على حقيقة هذا الشرف وكبر محله، وأن ينبهوا أولادهم عليه، ويجعل ذلك فيهم وصية منتقلة ما دام النسل.فكانت الوصية جارية تنتقل من قرن إلي قرن، إلى أن أدى الله النور إلى عبد المطلب وولده عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موضع تنازع بين الناس من أهل الملة، ممن قال بالنص وغيرهم من أصحاب الاختيار، س القائلون بالنص هم الإباضية أهل الإمأمة من شيعة علي بن أبي طالب رضتي الله عنه والطاهرين من ولده الذين زعموا أن الله لم يخل عصرا ش الأعصار من قائم بحق الله: إما أنبياء وإما أوصياء منصوص على أسمائهم وأعيانهم من الله ورسوله، وأصحاب الاختيار هم فقهاء الأمصار المعتزلة وفرق من الخوارج والمرجئة وكثير من أصحاب الحديث والعوام فرق من الزيدية فزعم هؤلاء أن الله ورسوله فؤض إلى الأمة أن تختار جلا منها فتنصبه لها إماما، وأن بعض الأعصار قد يخلو من حجة الله، هو الإمام المعصوم عند الشيعة، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب لمعا من يضاح ما وصفنا من أقاويل المتنازعين وتباين المختلفين.
انوش بن شيث ولود
صفحة ٩