فأما الشواهين فإن أرستجانس الحكيم ذكر في كتاب كان وجه به إلى المهدي حمل إليه من أرض الروم أهداه إليه الملك أن ملكا من ملوك الروم يقالى له فسيان نظريوما إلى شاهين يهوي منحدرا على طير الماء فيضربه ثم يسمو مرتفعا في الهواء، حتى فعل ذلك مرارا، فقال: هذا طير ضار تدلنا قوة انحداره على الطير في الماء أنه ضار، وتدلنا سرعة ارتفاعه في جو السماء على أنة طير أبي ألوف، فلما رأى إلى حسن تكراره أعجبه، فكان أول من أتخذ الشواهين.وقد ذكر سعيد بن عبيس عن هاشم بن خديج قال: خرج قسطنطين ملك عمورية متصيدا بالبزاة، حتى انتهى إلى خليج نيطس الجاري إلى بحر الروم فعبر إلى مرج بين الخليج والبحر فسيح مديد، فنظر إلى شاهين يتكفأ على طير المات، فأعجبه ما رأى من سرعته وضراوته، ولم يدر الحيلة في صيده، فأمر أن يصطاد له فضراه، وكان قسطنطين أول من لعب بالشواهين، ونظر إلى ذلك المرج البساط مفروشا بألوان الزهر، فقال: هذا موضع حصين بين نهر وبحر، وله سعة وامتداد يصلح أن يكون فيه مدينة، فبنى فيه مدينة القسطنطينية، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب عند ذكرنا لملوك الروم قسطنطين بن هلاين هذا، وما كان من خبره، وهو المظهر لدين النصرانية، وهذا الوجه أحد ما ذكر من السبب الداعي لبناء القسطنطينية. وقد ذكر ابن غفير عن أبي زيد الفهري أنه كان من رتبة ملوك الأندلس اللذارقة أنه إذا ركب الملك منهم صارت الشواهين في الهواء مظلة لعسكره، مخيمة على موكبه، تنحدر عليه مرة وترتفع أخرى، معلمة لذلك، فلا تزال على ما وصفنا في حال مسيره حتى ينزل فتقع حوله، إلى أن ركب يوما ملك منهم يقال له أزرق وصارت الشواهين معه على ما وصفنا، فاستثارت طائرا فانقض عليه شاهين فأخذه، فأعجب بذلك الملك، وضراها على الصيد؛ فكان أول من تصيد بها بالمغرب وبلاد الأندلس.قال المسعودي: وكذلك ذكر جماعة من أهل العلم بهذا الشأن أنه كان أول من لعب بالعقبان من أهل المغرب، فلما نظرت الروم إلى شدة أسرها وإفراط سلاحها قال حكماؤهم: هذه التي لا يقوم خيرها بشرها.
وذكر أن قيصر أهدى إلى كسرى عقابا وكتب إليه يعلمه أنها تعمل أكثر من عمل الصقر الذي أعجبه صيده، فأمر بها كسرى فأرسلت على ظبى عرض له فدقته، فأعجبه ما رأى منها، فانصرف مسرورا، فجوعها ليصيد بها، فثبت على صبي له فقتلته، فقال كسرى: وترنا قيصرفي أولادنا بغير جيش، ثم إن كسرى أهدى إلى قيصر نمرا، وكتب إليه أنه يقتل الظباء وأمثالها من الوحش، وكتب ما صنعت العقاب، فأعجب قيصر حسن النمر، وطابق صفته بوصف من الفهد، وغفل عنه، فافترس بعضى فتيانه، فقال: صادنا كسرى، فإن كنا قد صدناه فلا بأس.هذا، وقد تغلغل بنا الكلام عند ذكرنا لبحر جرجان وجزائره إلى الكلام في أنواع الجوارح، وسنذكر لمعا من أخبار البزاة وأعداد أجناس الجوارح وأشكالها عند ذكرنا لملوك اليونانيين، فلنرجع الان إلى ذكر الباب والأبواب ومن يلي السور من الأمم وجبل القبخ، وقد قلنا إن شر الملوك ممن جاورها من الأمم مملكة جيدان، وملكهم رجل مسلم يزعم أنه من العرب من قحطان ويعرف بسلفان في هذا الوقت، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة، وليس في مملكته مسلم غيره وولده وأهله، وأرى أن هذه السمة يسمى بها كل ملك لهذا الصقع، وبين مملكة جيدان وبين الباب والأبواب أناس من المسلمين عرب لا يحسنون شيئا من اللغات غير العربية في آجام هناك وغياض وأودية وأنهار كبار من قرى قد سكنوها، وقطنوا ذلك الصقع منذ الوقت الذي افتتحت فيه تلك الديار ممن طرأ من بوأدي العرب إليها، فهم مجاورون لمملكة جيدان، إلا أنهم ممتنعون بتلك الأشجار والأنهار ، وهم على نحو ثلاثة أميال من مدينة الباب والأبواب، وأهل الباب يحذرونهم.ويلي مملكة جيدان مما يلي جبل القبخ والسرير ملك يقال له برزبان مسلم، ويعرف بلده بالكرج، وهم أصحاب الأعمدة، وكل ملك يلي هذه المملكة يدعى برزبان.
مملكة غميق
ثم يلي مملكة برزبان مملكة يقال لها غميق، وأهلها أناس نصارى لا ينقادون إلى ملك، ولهم رؤساء، وهم مهادنون لمملكة اللان.
مملكة زريكران
صفحة ٨٢