وفي بلادهم الأرض التي بها ظباء المسك التبتي الذي يفضل على الصينين بجهتين: إحداهما أن ظباء التبت ترعى سنبل الطيب وأنواع الأفاويه وظباء الصين ترعى الحشيش دون ما ذكرنا من أنواع حشائش الطيب التي ترعاه التبتية، والجهة الأخرى أن أهل التبت لا يتعرضون لإخراج المسك من نوافجه ويتركونه على ما هو به وأهل الصين يخرجونه من النوافج ويلحقونه الغش بالدم وغيره من أنواع الغش، وأن الصيني أيضا يقطع به ما وصفنا من مسافة البحار وكثرة الأنداء واختلاف الأهوية، وإن عدم من أهل الصين الغش في مسكهم وأودع براني الزجاج وأحكم عفاصها ووكاؤها، وأورد إلى بلاد الاسلام من عمان وفارس والعراق وغيرها من الأمصار، كان كالتبتي، وأجود المسك وأطيبه ما خرج من الظباء بعد بلوغه النهاية في النضج، وذلك أنه لا فرق بين غزلاننا هذه وبين غزلان المسك في الصورة والشكل واللون والقرن، وإنما تتبين تلك بأنياب لها كأنياب الفيلة، لكل ظبي نابان خارجان من الفكين قائمان منتصبان أبيضان نحو الشبر وأقل وأكثر، فتنصب لها في بلاد التبت والصين الحبائل والأشراك والشباك فيصطادونها، وربما رموها بالسهام فيصرعونها فيقطعون عنها نوافجها والدم في سررها حار لم ينضج وطري لم يدرك، فيكون لريحته سهوكة، فيبقى زمانا حتى تزول منه تلك الرائحة السهكة الكريهة، ويستحيل بمواد من الهواء فيصير مسكا، وسبيل ذلك سبيل الثمار إذا أبينت عن الأشجار وقطعت قبل استحكام نضجها في شجرها واستحكمام موادها فيه، وخير المسك ما نضج في وعائه، وأدرك في سرته، واستحكم في حيوانه، وتمام مواده، وذلك أن الطبيعة تدفع مواد الدم إلى السرة، فإذا استحكم كون الدم فيها ونضج آذاه ذلك وحكه فيفزع حينئذ إلى أحد الصخور والأحجار الحارة من حر الشمس فيحتك بها مستلذا بذلك فينفجر حينئذ ويسيل على تلك الأحجار كانفجار الخراج والدمل إذا نضج ما فيه عند ترادف المواد عليه فيجد لخروجه لدة، فإذا فرغ ما في نافجته اندمل حينئذ، ثم اندفعت إليه مواد من الدم، ويجتمع ثانية ككونها بدءا، فتخرج رجال التبت يقصمون مراعيها بين تلك الأحجار والجبال، فيجحون المم قد جف على تلك الصخور والأحجار، وقد أحكمته المواد، وأنضجته الطبيعة في حيوانه،. وجففته الشمس، وأثر فيه الهواء، فيأخنونه، فذلك أفضل المسك، فيودعونه نوافج معهم قد أخفها من غزلان قد أصطادوها مستعحة معهم؟ فذلك الذي تستعمله ملوكهم ويتهادونه بينهم، ويحمله التجار في النادر من بلادهم، والتبت ف مدن كثيرة، فيضاف مسك كل ناحية إليها.قال المسعودي: وقد أقرت ملوك الصين والترك والهند والزنج وسائر ملوك العالم لملك بابل بالتعظيم، وأنه أول ملوك العالم، وأن منزلته فيهم كمنزلته فيهم كمنزلة القمر في الكواكب؛ لأن إقليمه أشرف الأقاليم، ولأنه أكثر الملوك مالا، وأحسنهم طبعا، وأكثرهم سياسة، وأثبتهم قحمأ، وهذا وصف ملوك هذا الإقليم فيما مضى، لا في هذا الوقت، وهو سنة اثنتيز وثلاثين وثلثمائة، وكانوا يلقبون هذا الملك شاهنشاه، وتفسيره ملك الملوك، ومنزلته في العالم منزلة القلب من جسد الإنسان والواسطة من القلادة، ثم يتلوه ملك الهند، وهوملك الحكمة، وملك الفيلة؟ لأن عند الملوك الأكاسرة أن الحكمة من الهند بدؤها، ثم يتلوه في المرتبة ملك الصين، وهو ملك الرعاية والسياسة وإتقان الصنعة، وليس في ملوك العالم أكئررعاية وتفقدا من ملك الصين لرعيته من جنده وعوامه، وهو ف بأس شذيد، وقوة ومنعة، له من الجنود المستعمة، والكراع والسلاح،ويرزق جنمه كفعل ملوك بابل، ثم يتلو ملك الصين ملك من ملوك الترك صاحب مدينة كوشان، وهو ملك الطغزغز من الترك، ويدعى ملك السباع وملك الخيل؛ إذ ليس في ملوك العالم أشد بأسا من رجاله، ولا أشد استئسادا منه على سفك الدماء، ولا أكثر خيلا منه، ومملكته فرز بين بلاد الصين ومفاصز خراسان، ويدعى بالاسم الأعم أيرخان، وللترك ملوك كثيرة، وأجناص، مختلفة، ولا تنقاد إلى ملكه، إلا أنه ليس منهم من يداني ملكه، ثم يتلوه ملك الروم، ويدعى ملك الرجال، وليس في ملوك العالم أصبح وجوها من رجاله، ثم إن ملوك العالم تتفاوت مراتبها ولا تتساوى، وقد قال ف عناية بأخبار العالم وملركهم في شعر له يصف جملا من مراتب العالم وممالكهم وأسمائهم:
الد ار داران: أيوان، وغمد ان، ... وا لملك ملكان: ساسان، وقحطان
والأرض فارس والإقليم بابل، ... والإسلام مكة، والدنيا خراسان
والجانبان العليان اللذا حسنا ... منها بخارى وبلخ الشاهدا ران
والبيلقان وطبرستان فارزها ... والري شروانها، والجيل جيلان
قد رتب الناس فيها في مراتبهم ... فمرزبان، وبطريق، وطرخان
صفحة ٦٦