ثم يليه بحر الصنف على ما رتبناه آنفا، وفيه مملكة المهراج ملك الجزائر، وملكه لا يضبط كثرة، ولا تحصى جنوده، ولا يستطيع أحد من الناس في أسرع ما يكون من المراكب أن يمر بجزائره في سنين، وقد حاز هذا الملك أنواع الطيب والأفاوية، وليس لأحد من الملوك ماله، ومما يحمل من بلاده ويجهز من أرضه الكافر والعود والقرنفل والصندل والجوز والبسباسة والقاقلة والكبابه وغير ذلك مما لم نذكره، وجزائره تتصل ببحر لا تدرك غايته، ولا يعرف منتهاه مما يلي بحر الصين، وفي أطراف جزائره جبال فيها أمم كثيرة بيض، آذانهم مخرمة ووجوههم كقطع التراس مطرقة، يجزون شعورهم كما يجز الشعر من الزق مدرجا، تظهر من جبالهم النار بالليل والنهار، فنهارها حمراء وبالليل تسود، وتلحق بعنان السماء لعلوها وذهابها في الجو، تقذف بأشد ما يكون من صوت الرعد والصواعق، وربما يظهر منها صوت عجيب مفزع ينذر بموت ملكهم، وربما يكون أخفض من ذلك فينذر بموت بعض رؤسائهم، قد عرف ما ينذر من ذلك يطول العادات والتجارب على طول السنين، وأن ذلك غير مختلف، وهذه أحد آطام الأرض الكبار 4 وتليها الجزيرة التي يسمع منها على دوام الأوقات أصوات الطبول والسرنايات والعيدان وسائر أنواع الملاهي المطربة المستلذة، ويسمع إيقاع الرقص والتصفيق، ومن يسمع ذلك يميز بين كل نوع من أصوات الملاهي وغيره، والبحريون ممن اجتاز بتلك الديار يزعمون أن الدجال بتلك الجزيرة.وفي مملكة المهراج جزيرة سريرة، ومسافتها في البحر نحومن أربعمائة فرسخ، عمائر متصلة، وبه جزيرة الزانج والرامني وغير ذلك مما لا يؤتى على ذكره من جزائره وملكه، وهو صاحب البحر السادس، وهو بحرالصنف.
بحر الصين
ثم البحر السابع وهو بحر الصين على ما رتبناه آنفا، ويعرف ببحر صنجى وهو بحر خبيث كثير الموج والخب، وتفسير الخب الشدة العظيمة في البحر، وإنما نخبر عن عبارة أهل كل بحر وما يستعملونه في خطابهم، وفيه جبال كثيرة لا بد للمراكب من النفذ بينها، وذلك أن البحر إذا عظم خبه وكثر موجه ظهرت أشخاص سود طول الواحد منهم نحو الخمسة أشبار أو الأربعة كأنهم أولاد الأحابيش الصغار، شكلا واحدا، وقدا واحدا، فيصعدون على المراكب، ويكثر منهم الصعود من غير ضرر ة فإذا شاهد الناس ذلك تيقنوا الشدة فإن ظهورهم علأمة للخب، فيستعدون لذلك: فمعافى، ومبتلى، فإذا كان كذلك. ربما شاهد المعاقى منهم في أعلى الدقل ويسميه أرباب المراكب في بحر الصين وغيره من البحر الحبشي الدولي، ويسميه الرجال في البحر الرومي الصاري شيئا على صورة الطائر يتوقد نورا لا يستطيع الناظرمنهم على ملء بصره منه، ولا إداركه كيف هو، فإذا أستقل على أعلى الدقل يرون البحر يهدأ، والأمواج تصغر، والخب يسكن، ثم إن ذلك النور يفقد؛ فلا يدرى كيف أقبل، ولا كيف ذهب، فذلك علأمة الخلاص، ودليل النجاة، وما ذكرنا فلا تناكر فيه عند أهل المراكب والتجار من أهل البصرة وسيراف وعمان وغيرهم ممن قطع هذا البحر، وما ذكرناه عنهم فممكن غير ممتنع ولا واجب؛ إذا كان جائزا في مقدور الباري جل وعز خلاص عباده من الهلاك واستنقاذهم من البلاد.وفي هذا البحر نوع من السراطين يخرج من البحر كالذراع والشبر وأصغر من ذلك وأكبر، فإذا بان عن الماء بسرعة حركة وصار على البر صار حجارة وزالت عنه الحيوانية، وتدخل تلك الحجارة في أكحال العين وأدويتها، وأمره مستفيض أيضا.
ولبحر الصين أيضا وهو السابع المعروف بصنجى أخبار عجيبة،وقد أتينا على جمل من أخباره وأخبار ما اتصل به من البحار فيما سمينا من كتبنا وأسلفنا من تصنيفنا في هذا المعنى، ونحن ذاكروان فيما يرد من هذا الكتاب من أخبار الملوك جوامع وجملا من ذلك.وليس بعد بلاد الصين مما يلي البحر ممالك تعرف ولا توصف، إلابلاد السيلى وجزائرها، ولم يصل إليها من الغرباء أحد من العراق ولا غيره، فخرج منها ة لصحة هوائها، ورقة مائها، وجودة ترتبها، وكثرة خيرها وصفاء جواهرها إلا النادر من الناس، وأهلها مهادنون لأهل الصين وملوكها، والهدايا بينهم لا تكاد تنقطع، وقد قيل: إنهم تشعبوا من ولد عامو، وسكنوا هناك، على حسب ما ذكرنا من سكنى أهل الصين في بلادهم، وللصين أنهار كبار مثل الدجلة والفرات، تجري من بلاد الترك والتبت والصغد، وهي بين بخارى وسمر قند. جبال النوشادر
صفحة ٦٣