والغوص على اللؤلؤ في بحر فارس، وإنما يكون في أول نيسان إلى آخر أيلول، وما عدا ذلك من شهور السنة فلا غوص فيها، وقد أتينا فيما سلف من كتبنا على سائر مواضع الغوص في هذا البحر؛ إذ كان ما عداه من البحار لا لؤلؤ فيه، وهو خاص بالبحر الحبشي من بلاد خارك وقطر وعمان يسرنديب وغير ذلك من هذا البحر، وقد ذكرنا كيفية تكون اللؤلؤ، وتنازع لناس في تكونه، ومن ذهب منهم إلى أن ذلك من المطر، ومن ذهب مهم إلى أن ذلك من غير المطر، وصفة صدف اللؤلؤ العتيق منه والحديث لفي يسمى بالمحار، والمعروف بالبلبل، واللحم الذي في الصدف الشحم، وهو حيوان يفزع على ما فيه من اللؤلؤوالدر خوفا من الغاصة، كخوف المرأة على ولدها، وقد أتينا على ذكر كيفية الغوص، إن الغاصة لا يكادون يتناولون شيئا من اللحمان إلا السمك والتمر، وغيرهما من الأقوات، وما يلحقهم، وذكر شق أصول آذانهم لخروج النفس من هناك بدلا عن المنخرين، لأن المنخرين يجعل عليهما شيء من الدبل هو ظهور السلاحف البحرية التي تتخذ منها الأمشاط أو من القرن يضمهما كالمشقاص لامن الخشب، وما يجعل في آذانهم من القطن فيه شيء من الدهن، فيعصرمن ذلك الدهن اليسيرفي الماء في قعره، فيضيء لهم ذلك في البحر ضياء بينا، وما يطلون به أقدامهم وأسواقهم من السواد حوفا من بلع دواب البحر إياهم ولنفرها من السواد، وصياح الغاصة في قعر البحركالكلاب، وخرق الصوت الماء فيسمع بعضهم صياح بعض، للغواص واللؤلؤ وحيوانه أخبار عجيبة وقد أتينا على جميع أوصاف ذلك وصفات اللؤلؤ وعلاماته وأثمانه ومقادير أوزانه فيما سلف من كتبنا.فأول هذا البحر مما يلي البصرة والأبلة والبحرين من خشبات البصرة، ثم بحر لا روى وعليه بلاد صيمور وسوبارة وتابة وسندان وكنباية وغيرها من السند والهند، ثم بحرهركند، ثم بحركلاه، وهوبحركلة والجزائر، ثم بحر كردنج، ثم بحر الصنف، وإليه يضاف العود الصنفي وإلى بلاده، ثم بحر الصين وهو بحر صنجي ليس بعده بحر، فأول بحار فارس على ما ذكرنا خشبات البصرة والموضع المعروف بالكفلاء وهي علامات منصوبة من خشب في البحر مغروسة علامات للمراكب إلى عمان مسافة ثلاثمائة فرسخ، وعلى ذلك ساحل فارس وبلاد البحرين، ومن عمان وقصبتها تسمى سنجار، والفرس يسمونها مزون إلى المسقط، وهي قرية منها يستقي أرباب المراكب الماء من آبار هناك عذبة خمسون فرسخا، ومن المسقط إلى رأس الجمجمة خمسون فرسخا، وهذا آخر بحر فارس، وطوله أربعمائة فرسخ، هذا تحديد النواتية وأرباب المراكب، ورأس الجمجمة جبل متصل ببلاد اليمن من أرض الشحر والأحقاف، والرمل منه تحت البحر، لا يدري أين تنتهي غايته في الماء أعني الجبل المعروف برأس الجمجمة، وإذا كان ما وصفنا من الجبل في البر ومنه تحت البحر سمي في البحر الرومي سفالة، من تلك السفالة في الموضع المعروف بساحل سلوقيا من أرض الروم، واتصالها تحت البحر بنحو من جزيرة قبرص ، وعليها عطب أكثر مراكب الروم وهلاكها، وإنما نعبر بلغة أهل كل بحروما يستعملونه في خطابهم فيما يتعارفنه بينهم، فمن هناك تنطلق المراكب إلى البحر الثاني وهو المعروف بلا روي ولا يدرى عمقه ولا يحصر طوله وعرضه عند البحريين، وربما يقطع في الشهرين والثلاثة وفي الشهر، على قدر مهاب الريح والسلأمة، وليس في هذه البحار أعني مااحتوى عليه البحر الحبشي أكبر من هذا البحر بحر لاروى، ولا أشد، وفي عرضه بحر الزنج وبلادهم، وعنبر هذا البحر قليل، وذلك أن العنبرأكثره يقع إلى بلاد الزنج وساحل الشحر من أرض العرب، وأهل الشحر أناس من قضاعة وغيرهم من العرب، وهم مهرة، ولغتهم بخلاف لغة العرب، وذلك أنهم يجعلون الشين بدلا من الكاف، مثال ذلك أن يقولوا: هل لش فيما قلت لش، وقلت لي: أن تجعلي الذي معي في الذي معش، يريد هل لك فيما قلت لك، وقلت لي أن تجعلي الذي معي في الذي معك، وغير ذلك من خطابهم ونوادر كلامهم، وهم فو فقر وفاقة، ولهم نجب يركبونها بالليل تعرف بالنجب المهرية تشبه في السرعة بالنجب البجاوية، بل عند جماعة أنها أسرع منها، يسيرون عليها على ساحل بحرهم، فإذا أحست هذه النجب بالعنبر قد قذفه البحر بركت عليه، قد ريضت لذلك واعتادته، فيتناوله الراكب، وأجود العنبر ما وقع في هذه الناحية وإلى جزائر الزنج، وساحله، وهو المدور الأزرق النادر كبيض النعام أو دون ذلك، ومنه ما يبلعه الحوت المعروف بالأوال المقدم ذكره، وذلك أن البحر إذا أشتد قذف من قعره العنبر كقطع الجبال وأصغر، على ما وصفنا، فإذا ابتلع هذا الحوت العنبر قتله فيطف فق الماء، ولذلك اناس يرصدونه في القوارب من الزنج وغيرهم، فيطرحون فيه الكلاليب والحبال، فيشقون عن بطنه ويستخرجون العنبر منه، فما يخرج من بطنه يكون سهكا، ويعرفه العطارون بالعراق وفارس بالند، وما بقي على ظهر الحوت منه كان نقيا جيدا، على حسب لبثه في بطن الحوت، وبين البحر الثالث وهو هركند والبحر الثاني وهو لاروى على ما ذكرنا جزائر كثيرة، وهي فرز بين هذين البحرين، ويقال: إنها نحو من ألفي جزيرة، وفي قول المحق ألف وتسعمائة جزيرة كلها عامر بالناس، وملكة هذه الجزائر كلها امرأة، وبذلك جرت عادتهم من قديم الزمان لا يملكهم رجل، والعنبر يوجد في هذه الجزائر أيضا، يقذفه البحر، ويوجد في بحرها، كأكبر ما يكون من قطع الصخر، وأخبرني غير واحد من نواخذة السيرافيين والعمانيين بعمان وسيراف وغيرها من التجار ممن كان يختلف إلى هذه الجزائر أن العنبرينبت في قعر هذا البحر، ويتكون كتكون أنواع الفطر: من الأبيض، والأسي، والكمأة والمغاريد، وبنات أوبر ونحوها، فإذا هاج البحر وأشتد قذف من قعره الصخور والأحجار وقطع العنبر، وأهل هذه الجزائر متفقون، وكلمتهم واحدة، ولا يحصرهم العد لكثرتهم، ولا تحصى جيوش هذه الملكة عليهم، وبين الجزيرة والجزيرة نحو الميل والفرسخ والفرسخين والثلاثه، ونخلهم شجر النارجيل، لا يفقد من النخلة إلا التمر، وقد زعم أناس ممن عنى بتوالدات الحيوان وتطعيم الأشجار أن النارجيل هو نخل المقل، وإنما أثرت فيه تربة الهند حين غرس فيها فصار نارجيلا، وإنما هو نخل المقل،
وقد ذكرنا في كتابنا المترجم بالقضايا والتجارب ما تؤثره كل بقعة من بقاع الأرض وهوائها في حيوانها من الناطقين وغيرهم، وما يؤثر البقاع في النامي من النبات، وفيما ليس بنام، كتأثير أرض الترك في وجوههم وصغر أعينهم، حتى أثر ذلك في جمالهم، فقصرت قوائمها، وغلظت رقابها، وأبيض وبرها؛ وأرض يأجوج ومأجوج في صورهم، وغير ذلك، مما إذا تبينه فو المعرفة في سكان الأرض من المشرق والمغرب وجدوه على ما ذكرناه،وليس يوجد في جزائرارجيلا، وإنما هو نخل المقل، وقد ذكرنا في كتابنا المترجم بالقضايا والتجارب ما تؤثره كل بقعة من بقاع الأرض وهوائها في حيوانها من الناطقين وغيرهم، وما يؤثر البقاع في النامي من النبات، وفيما ليس بنام، كتأثير أرض الترك في وجوههم وصغر أعينهم، حتى أثر ذلك في جمالهم، فقصرت قوائمها، وغلظت رقابها، وأبيض وبرها؛ وأرض يأجوج ومأجوج في صورهم، وغير ذلك، مما إذا تبينه فو المعرفة في سكان الأرض من المشرق والمغرب وجدوه على ما ذكرناه،وليس يوجد في جزائر البحر ألطف صنعة من أهل هذه الجزائر في سائر المهن والصنائع، في الثياب والآلات وغير ذلك، وبيوت أموال هذه الملكة الودع، وذلك أن هذا الودع فيه نوع من الحيوان، وإذا قل مالها أمرت أهل هذه الجزائر أنيقطعوا من سعف نخل النارجيل بخوصه، ويطرحونه على وجه الماء، فيتراكب عليه ذلك الحيوان، فيجمع ويطرح على رمل الساحل، فتحرق الشمس ما فيه من الحيوان، ويبقى الودع خاليا مما كان فيه، فتملأ من ذلك بيوت الأموال، وهذه الجزائر تعرف جميعها بالدبيحات ومنها يحمل أكثر الزانج، وهو النارجيل، وآخر هذه الجزائر جزيرة سرنديب، ويلي جزيرة سرنديب جزائر أخر نحو من ألف فرسخ تعرف بالرامين معمورة وفيها ملوك وفيها معادن من ذهب كقيرة، ويليها بلاد قنصور وإليها يضاف الكافر القنصوري، والسنة التي تكون كثيرة الصواعق والبروق والرجف والقذف والزلازل يكثر فيها الكافر، وإذا قل ذلك كان نقصانا في وجوده، وأكثر ما ذكرنا من الجزائر غذاؤهم النارجيل، ويحمل من هذه الجزائر خشب البقم والخيزران والذهب، وفيلتها كثيرة، ومنها ما يأكل لحوم الناس، وتتصل هذه الجزائر بجزائر النجمالوس، وهي أمم عجيبة الصور عراة يخرجون في القوارب عند اجتياز المراكب بهم، معهم العنبر والنارجيل، فيتعاوضون بالحرير وشيء من الثياب، ولا يبيعون ذلك بالدراهم ولا بالدنانير، وتليهم جزائر يقال لها أندامان، فيها اناس سود عجيبو الصورة والمنظر مفلفلو الشعور قدم الواحد منهم أكبر من الذراع، لأمراكب لهم، فإذا وقع الغريق إليهم مما قد انكسر في البحر أكلوه، وكذلك فعلهم بالمراكب إذا وقعت إليهم، وذكر لي جماعة من النواخذة أنهم ربما رأوا في هذا البحر سحابا أبيض قطعا صغارا يخرج منه لسان أبيض طويل حتى يتصل بماء البحر، فإذا اتصل به غلا البحر لذلك، وارتفعت منه زوابع عظيمة، لا تمر زوبعة منها بشيء إلا أتلفته، ويمطرون عقيب ذلك مطرا سهكا فيه أنواع من قذى البحر.
بحر كلة
وأما البحر الرابع فهو كلاهبار، على حسب ما ذكرنا، وتفسير ذلك بحر كلة، وهو بحر قليل الماء، وإذا قل ماء البحر كان أكثر آفات وأشد خبثا، وهو كثير الجزائر والصراوي، واحدها صرو، وذلك أن أهل المراكب يسمون ما بين الخليجين إذا كان طريقهم فيه الصرو، وبهذا البحر أنواع من الجزائر والجبال عجيبة، وإنما غرضنا التلويح بلمع من الأخبار عنها، لا البسط،.
بحر كردبح
وكذلك البحر الخامس المعروف بكردبح، فإنه كثير الجبال والجزائر، وفيه الكافر، وهو قليل الماء كثير المطر، لا يكاد يخلو منه، وفيه أجناس من الأمم منهم جنس يقال له الفنجب: شعورهم مفلفلة وصورهم ومناظرهم عجيبة، يتعرضون في قوارب لهم لطاف للمراكب إذا اجتازت بهم، ويرمون بنوع من السهام عجيبة قد سقيت السم، وبين هذه الأمة وبين بلاد كلة جبال معادن الرصاص الأبيض وجبال من الفضة، وفيها أيضا معادن من الذهب، ورصاص لا يكاد يتميز منه.
بحرالصنف
صفحة ٦٢