وقد اختلف الناس في التنين: فمنهم من رأى أنه ريح سوداء تكون في قعر البحر فتظهر إلى النسيم، وهو الجو، فتحلق السحب كالزوبعة، فإذا صارت من الأرض واستدارت وأثارت معها الغبار ثم استطالت في الهواء ذاهبة الصعداء توهم الناس أنها حيات سود قد ظهرت من البحر لسواد السحاب، وذهاب الضوء وترادف الرياح.ومنهم من رأى أنها دواب تتكون في قعر البحر، فتعظم وتؤذي دواب البحر، فيبعث الله عليها السحاب والملائكة فيخرجونها من بينها، وأنها على صورة الحية السوداء لها بريق وبصيص، لا تمر بمدينة إلا أتت على ما لا يقدر عليه من بناء عظيم أوشجرأوجبل، وربما تتنفس فتحرق الشجرة الكبيرة فيلقيه السحاب في بلد يأجوج ومأجوج، ويمطر السحاب عليهم، فيقتل التنين، فمنه يتغذى يأجوج ومأجوج، وهذا القول يعزى إلى ابن عباس.وقد ذكر قوم في التنين غير ما ذكرنا، وكذلك حكى قوم من أهل السير وأصحاب القصص أمورأ في ما ذكرنا أعرضنا عن ذكرها، منها خبر عمران بن جابر الذي صعد في النيل، فألمحرك غايته، وعبر البحر على ظهردابة تعلق بشعرها وهي دابة ينجر منها على الأرض شبر من قوائمها تغادي قرن الشمس من مبدأ طلوعها إلى حال غروبها فاغرة فاها نحوها لتبتلع عند نفسها - الشمس فعبرعلى وصفنا من تعلقه بشعرها البحر، ودار بدورانها طلبا لعين الشمس، حتى صار إلى ذلك الجانب، فرأى النيل منحدرا من قصور الذهب من، الجنة، وأعطاه الملك العنقود العنب، وأنه أتى الرجل الذي رآه في ذهابه، ووصف له كيف يفعل في وصوله إلى مبدأ النيل، فجم! ميتا، وخبر إبليس معه والعنقود العنب، وغير ذلك من خرافات حشوية عن أصحاب الحديث، ومنها ما روي أن قبة من الذهب وأنواع الجوهر فى وسط البحر الأخضر على أربعة أركان من الياقوت الأحمر ينحدر من كل ركن من هذه الأركان ماء عظيم من رشحه فقسم إلى جهات أربع في ذلك البحر الأخضر غير مخالط له، ولا متماس به، ثم ينتهي إلى جهات من البر من سواحل ذلك البحر، أحدها النيل، والثاني سيحان، والثالث جيحان، والرابع الفرات، ومنها أن الملك الموكك بالبحار يضع عقبه في أقصى بحر الصين فيفر منه البحر، فيكون منه المد، ثم يرفع عقبه من البحرفيرجع الماء إلى مركزه، ويطلب قعره، فيكون الجزر، ومثلوا ذلك بإناء فيه ماء في مقدار النصف منه، فيضع الإنسان يده أورجله فيملأ الماء الإناء، فإذا رفعها رجع الماء إل حده، وانتهى إلى غايته، ومنهم من رأىأن الملك يضع إبهامه من كفه اليمنى في البحر فيكون منه المد، ثم يرفعها فيكون الجزر وما ذكرنا فغير ممتنع كونه، ولا واجب، وهو داخل فى حيز الممكن والجائزلأن طريقه في النقل طريق الأفراد والآحاد، ولم يرد مورد التواتر والاستفاضة كالأخبار الموجبة للعم، والعلل القاطعة للعذر في النقل، فإن قارنها دلائل توجب صحتها وجب التسليم لها، والانقياد إلى ما أوجب اللة عز وجل علينا من أخبار الشريعة والعمل بها؛ لقوله عز وجل " وما آتاكم الرسول فخنوه، وما نهاكم عنه فانتهوا " ، وإن لم يصح ما ذكرنا فقد وصفنا آنفا ما قال الناس في ذلك، وإنما ذكرنا هذا ليعلم من قرأ هذا الكتاب أنا قد اجتهدنا فيما أوردناه في هذا الكتاب وغيره من كتبنا، ولم يعرب عنا فهم ما قاله الناس في سائر ما ذكرنا، وبالله التوفيق.
جملة البحار
صفحة ٤٧