وقد زعم عمرو بن بحز الجاحظ أن نهر مهران الذي هو نهر السند من نيل مصر، ويستدل على أنه من النيل بوجود التماسيح فيه، فلست أدري كيف وقع له هذا الدليل، وذكر ذلك في كتابه المترجم بكتاب الأمصاروعجائب البلدان، وهو كتاب في نهاية الغثاثة لأن الرجل لم يسلك البحار، ولا كثر الأسفار، ولا تقرى المسالك والأمصار وإنما كان حاطب ليل، ينقل من كتب الوراقين أولم يعلم أن نهر مهران السنديخرج من أعين مشهورة من أعالي بلاد السند من أرض القنوج من مملكة بؤورة وأرض قشمير والقفندار والطافر حتى ينتهي إلى بلاد المولتان، وكل هناك يسمى مهران الذهب، وتفسير المولتان فرج الذهب، وصاحب مملكة بلد المولتان رجل من قريش من ولد سأمة بن لؤي بن غالب، والقوافل من إلى خراسان متصلة، وكذلك صاحب مملكة المنصورة رجل من قريش من ولد هبار بن الأسود، والملك في هؤلاء وملك صاحب المولتان متوارثان قديما من صدرالإسلام، ثم ينتهي نهر مهران إلى بلاد المنصورة وبصب نحو بلاد الديبل في بحر الهند، والتماسيح كثيرة في أجواف هذا البحر،. وفي خليج ميدايون من مملكة ياغر من أرض الهند وخلجان الزابج من بحر مملكة المهراج وكذلك في خلجان الأغياب، وهي أغياب تلي جزيرة سرنديب، والأغلب على التماسيح كونها في الماء العذب، وما ذكرنا من خلجانات الهند فالأغلب من أمواهها أن تكون عذبة لصب مياه الأمطار إليها.
عودة إلى ذكر النيل
فلنرجع الآن إلى الأخبار عن نيل مصر، فنقرل: إن الذي ذكرته الحكماء أنه يجري على وجه الأرض تسعمائة فرسخ، وقيل: ألف فرسخ، في عامر وغير عامر، حتى يأتي أسوان من صعيد مصر، وإلى هذا الموضع تصعد المراكب من فسطاط مصر، وعلى أميال من أسوان جبال وأحجار يجري النيل في وسطها، ولا سبيل إلى جريان السفن فيه هناك، وهذه الجبال والمواضع فارقة بين مواضع سفن الحبشة في النيل وبين سفن المسلمين، ويعرف هذا الموضع من النيل بالجنادل والصخور، ثم يأتي النيل الفسطاط وقد قطع الصعيد ومر بجبل الطيلمون وحجر اللاهون من بلاد الفيوم، وهو الموضع المعروف بالجزيرة التي أتخذها يوسف النبي صلى الله عليه وسلم وطنافيقطعه، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب أخبار مصر والفيوم وضياعها وكيفية فعل يوسف عليه الصلاة والسلام في مائها، ثم يمضي جاريأ فينقسم خلجانات لى بلاد تنيس ودمياط ورشيد والإسكندرية، كل يصب في البحر الرومي،وقدأحدث فيه بحيرات فى هذا المواضم، وقد كان النيل انقطع،عن بلادالإسكندرية قبل هنه الزيادة التي زادها في هذه السنة وهي سنة اثنتين وثلاثين وثلثماثة ونمي إلي وأنا بمدينة أنطاكية والثغر الشامي أن النيل زاد في هذه السنة ثمانية عشر ذراعا فلست أدري أفي هذه الزيادة دخل خليجا الإسكنرية أم لا، وقد كان الإسكندر بن فيلبس المقدوني بنى الإسكندرية على هذا الخليج من النيل، وكان يتفجر إليه معظم ماء النيل، ويسقي بلاد الإسكندرية وبلاد مريوط، وكان بلاد مريوط هذا في نهاية العمارة، والجنان متصلة بأرض برقة من بلاد المغرب، وكانت السفن تجري في النيل فتتصل بأسواق الإسكندرية، وقد بلط أرض نيلها في المدينة بالرخام والمرمر، فانقطع الماء عنها لعوارض سدت خلجانها ومنعت الماء من دخوله، وقيل: لعلل غيرذلك منعت من تنفسه وردت الماء إلى كنانه، لا يحملها كتابنا هذا لاستعمالنا فيه الاختصار، فصار شربهم من الابار، وصار النيل على نحو يوم منهم، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب في باب ذكرنا لأخبار الإسكندرية جملا من أخبارها وأخبار بنائها، وما ذكرت من الماء الجاري إلى بحر الزنج فإنما هوخليج آخذ من أعالي مصب الزنج، وفارق بين بلاد الزنج وبين أقاصي بلاد أجناس الأحابيش، ولولا ذلك الخليج ومفاوز من رمال ودهاس لم يكن للحبشة في ديارهم من أنواع الزنج لكثرتها وبطشها.
جيحون نهر بلخ
صفحة ٣٧