ذكرالأخبارعن انتقال البحار وجمل من أخبار الأنهار الكبار
ذكر صاحب المنطق أن البحار تنتقل على مرور السنين وطويل الدهر، حتى تصير في مواضع مختلفة، وأن جملة البحار متحركة، إلا أن تلك الحركة إذا أضيفت إلى جملة مياهها وسعة سطوحها وبعد قعورها صارت كأنها ساكنة، وليست مواضع الأرض الرطبة أبدا رطبة، ولا مواضع الأرض اليابسة أبدا يابسة، لكنها تتغير وتستحيل، لصب الأنهار إليها، وانقطاعها عنها، ولهذه العلة يستحيل موضع البحر وموضع البر، فليس موضع البر أبدا برا، ولا موضع البحر أبدا بحرا، بل قد يكون برا حيث كان مرة بحرا، ويكون بحرا حيث كان مرة برا، وعلة ذلك الأنهار وبدؤها؛ فإن لمواضع الأنهار شبابا وهرما، وحياة وموتا، ونشئا ونشورا، كما يكون ذلك في الحيوان والنبات، غير أن الشباب والكبر في الحيوان والنبات لا يكون جزأ بعد جزء، لكنها تشب وتكبر أجزاؤها كلها معا، وكذلك تهرم وتموت في وقت واحد، فأما الأرض فإنها تهرم وتكبرجزأ بعد جزء، وذلك بدوران الشمس.وقد اختلف الناس في الأنهار والأعين من أين بدؤها.فذهبت طائفة إلى أن مجراها كلها أعني البحار واحد، وهوالبحر الأعظم، وأن ذلك بحر عذب ليس هو بحر أقيانوس.زعمت طائفة أن البحار في الأرضين كالعروق في البدن.
وقال آخرون: حق الماء أن يكون على سطح، فلما اختلفت الأرض فكان منها العالي والهابط أنحاز الماء إلى أعماق الأرض، فإذا انحصرت المياه في أعماق الأرض وقعورها طلبت التنفس حينئذ، لغلظ الأرض وضغطتها إياها من أسفل، فتنبثق من ذلك العيون والأنهار، ربما تتولد في باطن الأرضين من الهواء الكائن هناك، وأن الماء ليى بأسطقس، وإنما هو متولد من عفنات الأرض وبخارها، وقالوا في فلك كلاما كثيرا أعرضنا ذكره طلبا للإيجاز وميلا للاختصار، وقد بسطنا ذلك في غير هذا الكتاب من كتبنا.أما مبادىء الأنهار الكبار، ومطارحها، ومقادير جريانها على وجه الأرض كالنيل والفرات والدجلة ونهر بلخ، وهو جيحون، ومهران السند وجنجس، وهو نهر عظيم بأرض الهند، ونهر سابط وهو نهر عظيم، ونهر طنابس الذي يصب إلى بحر نيطس، وغيرها مما كبر من الأنهار فقد تكلم الناس في مقدار جريانها على وجه الأرض.
النيل
فرأيت في جغرافيا النيل مصورا ظاهرا من تحت جبل القمر، ومنبعه ومبدأ ظهوره من اثنتي عشرة عينا، فتصب تلك المياه إلى بحرين هناك كالبطائح، ثم يجتمع الماء جاريا فيمر برمال هناك وجبال، ويخترق أرض السودان مما يلي بلاد الزنج؟ فيتشعب منه خليج ينصب إلى بحر الزنج، و!و بحر جزيرة قنبلو، وهى جزيرة عامرة فيها قوم من المسلمين، إلا أن لغتهم زنجية: غلبوا على هذه الجزيرة، وسبوا من كان فيها من الزنج، . كغلبة المسلمين على جزيرة إقريطش في البحر الرومي، وذلك في مبدأ الدولة العباسية وتقضي الأموية، ومنها إلى عمان في البحر نحو مز خمسمائة فرسخ على ما يقول البحريون حزرا منهم لذلك، لا علر طريق التحصيل والمساحة، وذكر جماعة من نواخذة هذا البحر مو السيرافيين والعمانيين وهم أرباب المراكب أنهم يشاهدون في هذا البحر في الوقت الذي تكثر فيه زيادة النيل بمصر، أو قبل الأوان بمدة يسيرةماء يخترق هذا البحر ويشقه من شدة جريانه، يخرج من جبال الزنج، عرضه كثر من ميل عذبا حلوا، يتكدر في إبان الزيادة بمصر وصعيدها، فيها الشوهمان، وهو التمساح الكائن في نيل مصر، ويسمى أيضا الورل.
بعض أوهام الجاحظ
صفحة ٣٦