يعتمد على هذين المصدرين الرئيسيين إلا أن ذلك لم يكن كافيا للقضاء على هذه الخلافات، لأن كل فريق كان يعتمد مروياته ولا يعتمد بما يرويه الفريق الآخر.
فالشيعة لا يعتمدون إلا على ما يروى عن أئمتهم من آل البيت، ولا يحفلون بمرويات غيرهم إلا نادرا اعتمادا على أن آل النبي هم أعرف بكلام جدهم من غيرهم على حد تعبيرهم «أصحاب الدار أدرى بما فيه» والسنة يرون أن رواية الحديث فن له رجاله المتخصصون في علوم الحديث، وعلم الجرح والتعديل، وان الأئمة ممن يوثق فيهم ويتبرك الناس بآثارهم ويتآسون بأخلاقهم. إلا أن رواية الحديث لها رجالها المتخصصون فلا تقصر عليهم دون غيرهم وإن كان هذا الاعتراض أجاب عنه الامامية بأن لديهم ما لدى أهل السنة من الرجال المتخصصين في علوم الحديث وعلم الجرح والتعديل ناهيك بأن في الكتب الستة عند أهل السنة كثير جدا من الرواة المعتمدين عند الشيعة كالسدي، والجعفي، والنخعي، وشعبة بن الحجاج وطاووس بن كيسان، وعبدالرازاق المحدث وعلي بن المنذر شيخ الترمذي والنسائي وغيرهم ممن نص عليهم الأمام شرف الدين في كتابه.
وقد كان للخلافات السياسية التي منيت بها الأمة العربية والأسلامية في الداخل وعبث المستعمر وألاعيبه في الخارج أثر وأي أثر في بث الفرقة والعداوة مما حمل كل فريق على تكفير الفريق الأخر. وظل هذا البلاء ينخر في صفوف المسلمين ردحا طويلا في اوائل هذا القرن.
وقد لعب التصوف في هذه الفترة من تاريخ الأسلام دورا خطيرا حدث ذلك حين بلغ التصوف غاية لا تسامقها غاية من حيث التطور السلوكي، وتعدد الطرق الصوفية التي بلغت فوق المائة.
ولعل هذا التطور المفاجيء الذي بلغه التصوف في اوائل هذا القرن يرجع إلى ما مني به المسلمون من فقد للسلطان المادي فلجأوا الى السلطان الروحي يهرعون اليه يستعيضون به عما فقدوه في هذه الفترة العصبية التي كان فيها التصوف يوم ذاك أشبه بالواحة التي يستروح فيها المسافر من عنت السفر ومشاق الطريق، فأقبل عليه الكثير يلتمسون فيه المتنفس الروحي حين فقدوا السلطان المادي.
أقول: لولا التصوف وطرقه العديدة في هذه الفترة، لكانت أسباب الفرقة بين السنة والشيعة أعمق واشد مما كانت، ولكن المتصوفة بفضل ما استلهموه من آداب الأسلام، وأخلاق النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وما عرفوا به من تواضع ونبذ
--- *** ر )
صفحة ٤