كتاب المراجعات
--- *** خ )
صفحة ١
من مقدمة الدكتور حامد حفني داود
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك اللهم ونستعينك ونستهديك في القول والعمل فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ونصلي ونسلم على سيد أنبيائك ورسلك محمد بن عبدالله منقذ الأنسانية من دياجير الظلام والضلال الى معارج النور والأيمان.
وبعد فهذا سفر عظيم كتبه علمان من أعلام الأسلام في صورة حوار علمي أصيل اتصف بالنزاهة والموضوعية والبعد عن سفساف القول وهجره، واتصف بالأخلاص الجم من الوصول الى الحقيقة مبرأة من كل غرض سواها، والحقيقة هي الحكمة الخالدة والحكمة والعلم قرنان يطلبهما المؤمن أنى وجدهما.
كان هذا الحوار يجري بين عالمين جليلين يمثلان شطري أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم السنة والشيعة. وكان لكل منهما خطره ومكانته في مذهبه علما وخلقا وأدبا وبكل ما تتضمنه هذه الكلمات من معنى.
الأول منهما العالم الجليل الشيخ سليم البشري شيخ الأسلام وعمدة المحدثين في مصر.
والثاني السيد الشريف صاحب السماحة العلامة الكبير السيد عبدالحسين شرف الدين شيخ علماء الشيعة وإمام الحفاظ والمحدثين في لبنان.
الأمر الذي جعل لهذا الحوار خطره وأثره في هذا العصر الذي جرى فيه وفي عصرنا الذي نعيشه وفي الأجيال التي تأتي بعد ذلك.
ومن عادة المتناظرين أن يصر كل منهما على الأنتصار على خصمه وأن يدحض حججه بحجج أقوى منها حتى لا يترك له مجالا من الأنتصار والغلبة، ولكننا رأينا في هذين المتناظرين شيئا جديدا لا نكاد نألفه إلا في المنهج الأسلامي في فن المناظرة والجدل، ذلك المنهج هو إصرار كل من الباحثين على الوصول إلى الحقيقة أنى وجدها فلم يكن أحدهما يبغي من المناظرة الكيد لصاحبه أو النيل من علمه أو حتى مجرد الفوق عليه بقدر ما يطمع من الوصول الى الحقيقة ولو
--- *** د )
صفحة ٢
كانت متمثلة في حجة صاحبه.
الأمر الذي حدا بهما إلى حوار علمي منظم يهدي إلى الحق وياخذ بأيديهما وأيدي القراء الى المنهج الأسلامي السليم وهو ما سنبسطه للقارئ في صدر هذه العجالة.
ومن عادة المتناظرين أيضا أن يهدفا إلى الأسلوب العلمي وحده ليصلا إلى الحقيقة من أقرب طريق، ولكن صاحبينا الجليلين مزجا بين الأسلوبين العلمي والأدبي، فكان حوارهما دائرة معارف واسعة يستلهم منها القارئ حقائق المذهبين السني والشيعي كما يستلهم منهما أفضل ما عرف من الأساليب الأدبية في مستهل القرن الرابع عشر وذلك ما جعل من هذا الكتاب حقلا واسعا وروضة فيحاء يجد فيها القراء كل ما يروقهم من ثمار للعلم وفوائد الأدب ويجعل من الكتاب ركنا ركينا في مكتبتنا الأسلامية ومكتبتنا العربية.
وقد استغرق هذا الحوار القيم مائة واثنتي عشرة حلقة جرت بين هذين العالمين الجليلين وكان ذلك في اوائل القرن الرابع عشر الهجري في المدة ما بين «ذي القعدة 1329 ه ، وجمادي الأولى 1333 ه».
وقيمة هذا الكتاب تتجلى أكثر ما تتجلى في الظروف التي ظهر فيها حين خرج الى النور يقرأه السني والشيعي، ذلك أن هذا الكتاب خرج به مؤلفه في اوائل القرن الرابع عشر خلال العقدين الثالث والرابع، في فترة عصيبة كان فيها المستعمر يعبث بمقدرات الأمة العربية ولم يجد طريقا الى تحقيق رغباته الدنيئة إلا ببث الفرقة بين المسلمين واستغلاله هذه الخلافات المذهبية من أجل تحطيم صرح العروبة والأسلام. وقد بلغ التصدع مبلغه في اوائل هذا القرن. وقد كانت له جذور عميقة منذ العصر الأموي حين افترق المسلمون في اواسط القرن الاول الى معسكرين، المعسكر الأول بقيادة يزيد بن معاوية، والمعسكر الثاني بقيادة أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وقد استفحل الخلاف بين المعسكرين حين استشهد الحسين عليه السلام في موقعة كربلاء، وظل الخلاف بين المعسكرين طوال العصرين الاموي والعباسي يدور حول الحياة السياسية ونظام الحكم ولا يكاد يمس العقيدة الا في القليل. ولم يكن من رجال الفريقين من يجرؤ على تكفير صاحبه إلا نادرا.
فلما انقضى العصر العباسي بغلبة المغول على دار الخلافة استحالت هذه الخلافات السياسية الى خلافات مذهبية تمس الفروع وتتناول قضايا الفقه الأسلامي المستمد من القرآن والسنة، وعلى الرغم من أن التشريع الأسلامي
--- *** ذ )
صفحة ٣
يعتمد على هذين المصدرين الرئيسيين إلا أن ذلك لم يكن كافيا للقضاء على هذه الخلافات، لأن كل فريق كان يعتمد مروياته ولا يعتمد بما يرويه الفريق الآخر.
فالشيعة لا يعتمدون إلا على ما يروى عن أئمتهم من آل البيت، ولا يحفلون بمرويات غيرهم إلا نادرا اعتمادا على أن آل النبي هم أعرف بكلام جدهم من غيرهم على حد تعبيرهم «أصحاب الدار أدرى بما فيه» والسنة يرون أن رواية الحديث فن له رجاله المتخصصون في علوم الحديث، وعلم الجرح والتعديل، وان الأئمة ممن يوثق فيهم ويتبرك الناس بآثارهم ويتآسون بأخلاقهم. إلا أن رواية الحديث لها رجالها المتخصصون فلا تقصر عليهم دون غيرهم وإن كان هذا الاعتراض أجاب عنه الامامية بأن لديهم ما لدى أهل السنة من الرجال المتخصصين في علوم الحديث وعلم الجرح والتعديل ناهيك بأن في الكتب الستة عند أهل السنة كثير جدا من الرواة المعتمدين عند الشيعة كالسدي، والجعفي، والنخعي، وشعبة بن الحجاج وطاووس بن كيسان، وعبدالرازاق المحدث وعلي بن المنذر شيخ الترمذي والنسائي وغيرهم ممن نص عليهم الأمام شرف الدين في كتابه.
وقد كان للخلافات السياسية التي منيت بها الأمة العربية والأسلامية في الداخل وعبث المستعمر وألاعيبه في الخارج أثر وأي أثر في بث الفرقة والعداوة مما حمل كل فريق على تكفير الفريق الأخر. وظل هذا البلاء ينخر في صفوف المسلمين ردحا طويلا في اوائل هذا القرن.
وقد لعب التصوف في هذه الفترة من تاريخ الأسلام دورا خطيرا حدث ذلك حين بلغ التصوف غاية لا تسامقها غاية من حيث التطور السلوكي، وتعدد الطرق الصوفية التي بلغت فوق المائة.
ولعل هذا التطور المفاجيء الذي بلغه التصوف في اوائل هذا القرن يرجع إلى ما مني به المسلمون من فقد للسلطان المادي فلجأوا الى السلطان الروحي يهرعون اليه يستعيضون به عما فقدوه في هذه الفترة العصبية التي كان فيها التصوف يوم ذاك أشبه بالواحة التي يستروح فيها المسافر من عنت السفر ومشاق الطريق، فأقبل عليه الكثير يلتمسون فيه المتنفس الروحي حين فقدوا السلطان المادي.
أقول: لولا التصوف وطرقه العديدة في هذه الفترة، لكانت أسباب الفرقة بين السنة والشيعة أعمق واشد مما كانت، ولكن المتصوفة بفضل ما استلهموه من آداب الأسلام، وأخلاق النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وما عرفوا به من تواضع ونبذ
--- *** ر )
صفحة ٤
للعصبيات، وعزوف عن وضر الدنيا وزخارفها كانوا أشبه بصمام الأمن بين شقي أمة محمد عليه السلام، حين كانوا بحكم طبيعة سلوكهم دعاة للتآخي والتراحم، عاملين بالكتاب والسنة.
ولكن الاتجاه للصوفي وحده لا يكفي لعلاج أسباب الفرقة وقتل الخلافات المذهبية. لأنه يعتمد أكثر ما يعتمد على الأساليب في علاج المشاكل التي أشعلها المستعمر ونفخ في أوراها بين الفريقين.
ومن ثم كان لابد لهذا الموثق من وثبة اصلاحية. ونهضة علمية تعالج اسباب الخلافا علاجا جذريا.
عند ذلك ينبري هذا العلمان من بين المعسكرين السني والشيعي في فترة من أحلك الفترات التي حدثناك عنها. وقد جاءا في عصر كان الفكر الاسلامي فيه أحوج ما يكون الى من يرأب هذا الصدع ويصلح هذا الخلل الذي تدخلت فيه كل هذه العوالم السالفة لهدم الوحدة الاسلامية. وكأن عناية الله سبحانه لهذه الأمة التي يقول عنها سيد الأنبياء: لم تعط أمة من اليقين ما أعطيت أمتي، أن يقيض هذين العاملين ليتربعها على عرش الفكر الأسلامي في مطلع هذا في وقت أحوج ما يكون فيه الأسلام لمن يدير أموره ويوحد صفوفه، ومن ثم كان هذا الكتاب الجليل لبنة متينة في التقريب بين شطري المسلمين، وازالة أسباب الخلافات المذهبية بينهما.
لقد تعرض الكتاب لعدة موضوعات لا يزال الشيعة يعتبرونها اصلا اصيلا في صلب مذهبهم في مقدمتها النص على الخلافة لعلي، وعصمة الأئمة من آل الزهراء وعلي عليهما سلام الله وبركاته، وما يراه اخوانهم أهل السنة من أن حتمية النص ليست ملزمة إلا في العبادات والا كان ذلك داعيا إلى تفسيق بعض الصحابة وهذا أمر جلل نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحذر منه غاية التحذير وقد قال قالته المشهورة في نظام الحكم:
«أطيعوهم ما أقاموا الصلاة فيكم» كذلك ما يراه أهل السنة من ان العصمة اصطلاح لا يجوز اطلاقه إلا على السادة الأنبياء عليهم السلام.
كما تعرض الكتاب لأمور كثيرة التقى عندها الطرفان. منها مصادر التشريع من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد أثبت العلامة السيد شرف الدين ان كوكبة المحدثين عند الشيعة وأسانيدهم مما هو موجود بنصه في مصادر الحديث عند السنة. وذلك وحده من اعظم الأسباب الداعية الى القضاء على العصبيات الفقهية، والخلافات بين الفريقين، ولا نكاد نجد بعد ذلك إلا خلافات فقهية
--- *** ز )
صفحة ٥
تقع في دائرة الفروع ولا تتجاوز المسائل الفرعية في الفقه كالمسح على الرجلين في الوضوء، ورد المصلي السلام على من يلقيه عليه بلفظه، مما له شاهد من السنة السمحاء، ولوقع هذه المسائل الفقهية بين الشيعة والسنة أشبه في نظر المنهج العلمي الحديث بالخلافات الفرعية بين المذاهب الأربعة عند السنة.
ونحن اليوم ندعو أن تكون نظرة أهل السنة الى «الشيعة الأمامية» نظرة فقهية بحتة بعيدة عن العصبيات، وان ينظر الى الخلافات الفقهية بيننا وبينهم نظرنا الى الخلافات بين الأحناف والمالكية، والشافعية والحنابلة، وبذلك تضيق شقة الخلاف بين «الشيعة والسنة» وتزول هذه العصبيات البغيضة الى الأبد وعند ذلك نكون قد وفينا ما امر الله به في كتابه الكريم من توحيد الصف الأسلامي «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» وقوله: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» وقوله: «ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء» .
وبهذا وحده نقضي على الذنوب القلبية كالحسد، والحقد، والنفاق، ولا سيما إشاعة الفرقة ذات البين بين صفوف المسلمين وهذه من اعظم النواهي التي نهى عنها النبي، وخوف الأمة منها ووصفها بالحالقة، التي لا تبقى ولا تذر.
... ان هذه النفحة المدوية التي أحدثها هذا الكتاب الجليل، وهو يصرخ في أذان كل سني وشيعي ان: تقاربوا وتآلفوا بآداب النبي عليه السلام واعملوا بما أمر به الله ونبيه من تراحم وتوادد وتآزر وتعاطف، كان لها أثرها.
وليس أدل على أثر هذا الكتاب في جيلنا السالف وجيلنا المعاصر، من ظهور جماعة من قادة الفكر في مصر والعراق وايران وغيرها من البلاد الأسلامية دعوا الى التقريب بين المذاهب في مصر وايران وقد حملت هذه الجمعية مشعل الدعوة وظهرت لها مجلات ونشرات دورية أعادت الى الأذهان سيرة السلف الصالح وصدقت قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخبر به من أحاديث المغيبات «امتي أمة مباركة لا يدري أولها خير أو آخرها» (1) .
وقوله: «ما أعطيت أمة من اليقين ما أعطيت أمتي».
وقوله: «ليدركن الرجال قوما مثلكم او خيرا منكم. ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى بن مريم آخرها».
رواه جبير بن نضير وأخرجه الحاكم في مستدركه.
صفحة ٦
*** س )
وبعد فإني لا أنسى في ختام هذه العجالة أن أذكر بالتقدير أخي في الله السيد مرتضى الرضوي على ما بذله من جهد طيب في نشر هذا الكتاب الجليل، واخراجه في صورة محققة للقارئ المسلم في مشارق الأرض ومغاربها. والكتاب خير هدية تهدى الى كل مسلم منصف يدعوى الى التقريب ونبذ الخلاف.
الأمر الذي دعونا اليه احتسابا بالله وحده منذ ربع قرن، وهو ما يحملنا على أن نغبط أخانا الناشر في نشر هذا الكتاب وأمثاله، هدانا الله وإياه الى ما يحبه ويرضاه وطهر ألسنتا عن زيف القول وهجره وجعل أعمالنا وأقوالنا خالصة لوجهه تعالى.
كتبه في ليلة النصف من شعبان الموافق 1 من أغسطس سنة 1976م القاهرة.
دكتور حامد حنفي داود
واضع أسس المنهج العلمي الحديث
ورئيس قسم اللغة العربية كلية الألسن
جامعة عين شمس القاهرة
--- *** ش )
صفحة ٧
مقدمة الاستاذ فكري أبو نصر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القيم. وصلاة الله وسلامه على أفضل خلقه وخاتم رسله وأنبيائه: محمد بن عبدالله.. الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى عترته أئمة الهدى من بعده الى يوم الدين.
أما بعد: فقد تفضل مشكورا أخي في الله وصديقي السيد الأستاذ مرتضى الرضوي بإهدائي مجموعة قيمة من الكتب في المذهب الشيعي الأمامي، ومن بينها كتاب «المراجعات» وهو يشتمل على حوار ممتع صاف حول المذهب الشيعي.
ويستخرج دفائنه بين إمامين جليلين هما:
الأمام الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر الأسبق.
والأمام السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي الشيعي الامامي رحمهما الله.
وطلب مني أن أقدم لموسوعته الأسلامية التي يعتزم اعادة طبعها.. وقد أجبته الى طلبه شاكرا له ثقته، ومستعينا بما أهدانيه من أسفار في المذهب الشيعي الامامي الجعفري من جهة، ومناقشاتنا المستفيضة في المذاهب الاسلامية وأحكامها. كلما ضمنا لقاء، وجمعت بيننا الظروف التي كثيرا ما تدفعه للحضور الى القاهرة ولقاء اصدقائه وأحبائه وشيعته فيها.
ومن ضمن هذه الموسوعة الاسلامية كتاب: «المراجعات» بما تحويه من معتقدات وأحكام في المذهب الشيعي الأسلامي الكبير.. اصوله وفروعه. وبما تلقيه من اضواء ساطعة، تنير الطريق، وتهدي الساري، وتقود الباحث الى حيث يجد ضالته، ويقف على بغيته.
انما تؤدي خدمة كبرى لجمهور الباحثين وعلماء المذاهب الاخرى الذين يفتقرون الى الغوص في ثنايا المذهب الأمامي والوقوف على حقائقه وأسانيده وما يتفق وما يختلف فيه مع المذهب السني وغيره من المذاهب. ودراسته دراسة
--- *** ص )
صفحة ٨
موضوعية علمية ومنصفة. حتى يمكن فتح باب الحوار والمناقشة معه من جديد.
حوارا يزيد من رابطة الدين بين المذهبين الكبيرين ويقوي أواصر التعاطف والفهم فيما بينهم بأكثر من مما هو قائم الآن.
ونبذ ما يدعو الى الفرقة والخصام، والعمل الجاد على انفتاح الطوائف والمذاهب الاسلامية بعضها على بعض وإزالة هذه الجدر الوهمية التي أقيمت بينها. مما يؤدي حتما الى الالتقاء على نقاط كثيرة مما يتصورها البعض نقاط خلاف. اذا ما توفرت النية الحسنة، والرغبة في تشكيل قاعدة متينة من التعاون الصادق والمشترك، وحصر نقاط الأختلاف، توطئة لتطويقها، وتجاوزها الى ما فيه نفع الأسلام ومصلحة المسلمين.
ومن ثم الى الاستمرار في نشر الدين وتماسك أهله واسعادهم. ولا ننسى أبدا قول الله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» .
فكيف بالله نترك أوامر الله ونواهيه بالأعتصمام بحبله وعدم التفرق.
الى أوامر المخلوق ونواهيه بالمنابذة والتفرق.
وأود في هذا المقام ان أذكر بما يقوم به الآن أصحاب المذاهب المسيحية المختلفة من عمل جاد دؤوب، واجتماعات مستمرة. تهدف الى اقامة نوع من الوحدة الطائفية فيما بينها.
بالرغم من الفوارق الكثيرة والبعيدة في اصول المعتقدات وفروعها.
والعمل على تضييق شقة الخلاف في هدوء وروية وتفاهم. وصولا الى اهدافهم في الوحدة والتعاون المشترك.
وفوق ذلك. فقد استطاع احد هذه المذاهب المسيحية الكبرى ان ينقض اصلا من أصول معتقداته التي يشترك فيها معه كل المذاهب الاخرى. ابتغاء مرضاة طائفة اخرى غير مسيحية وهم اليهود .
ولمجرد مسايرة التطور الانساني والمصلحة السياسية. ألا وهي تحميل اليهود وزر وذنب مقتل المسيح وصلبه.
وهذا الأصل المتغلغل في وجدان المسيحيين منذ نشأة المسيحية، وبسببه ظلوا يحملون الكراهية والبغضاء وصنوف الحقد والاضطهاد لليهود طوال عشرين قرنا من الزمان. حتى اصدرت دولة الفاتيكان «الرئاسة البابوية الروحية للمسيحيين الكاثوليك في روما» وثيقة تبريء اليهود من هذا الوزر الكبير في معتقدهم.
ومما يدعو الى الدهشة ان ذلك يتم في الوقت الذي استطاع فيه اليهود
--- *** ض )
صفحة ٩
وصهاينتهم أن يحققوا نصرا على العرب المسلمين.
وكأنه مكافأة لهم على إذلالهم للعرب والمسلمين الذين تصوروا أنهم قد اصبحوا لقمة سائغة، ولن تقوم لهم بعدها قائمة. حتى كان نصر الله لهم في رمضان من عام 1393ه اكتوبر 1973م الذي أذهلهم وأرعد فرائصهم.
ولم يتم هذا النصر للعرب والمسلمين الا بأدنى حد من الوحدة. فكيف بالوحدة الكاملة؟!
إلى هذا الحد بلغت بأهل الأديان الاخرى رغبتهم في التطوير والتغيير، والى هذا الحد يبلغ حرصهم على الوحدة الدينية والتقريب بين مذاهبهم عن طريق الحوار المخلص والجاد فيما بينهم. فأين نحن من هذه كله؟؟ وليس بين مذاهبنا مثل ما بينهم من خلاف وشقاق وتباعد.
أن أهم ما نقدمه من هذه الموسوعة الأسلامية كتاب «المراجعات» ذلك الحوار المفتوح بين العالم السني الجليل الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر الأسبق. وبين العالم الشيعي الأمام السيد عبدالحسين شرف الدين كبير علماء الشيعة في لبنان.
وهو حوار موضوعي أمين، يتيح التعرف على الحقيقة، بعيدا عن التحيز أو التأثر بالعاطفة المذهبية أيا كانت.
ومن حسن الحظ أن أهل السنة لا يختلفون مع الشيعة في محبة آل البيت النبوي الكريم، ومناصرتهم وتقديسهم. وتعاطفهم الشديد مع الأمام الأكبر علي بن أبي طالب في طلب الخلافة وأحقيته لها وذريته من بعده.
وان منزلته من رسول الله صلوات الله عليه هي بمنزلة هارون من موسى عليه السلام كما لا يختلف المذهبان في معظم اصول الدين وفروعه.
لولا ما يذهب اليه الشيعة من استنباط احكام مذهبهم مما تواتر عن الأئمة الأثنا عشر من آل البيت النبوي (1) دون سواهم من صحابة رسول الله، الذين *** ط )
صفحة ١٠
لم يشايعوا الأمام عليا «كرم الله وجهه» والعترة الطاهرة الذين خاطبهم الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله:
«إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» .
ولا ياخذ الشيعة كذلك في الأصول بمذهب الأشعري، وفي الفروع بالمذاهب السنية الأربعة:
على أساس ان مذهب الأئمة أسبق منها.
وبالتالي: ادعى الى الوثوق به، وأولى بالتبعية من سواه، حيث كان عليه المسلمون في القرون الثلاثة الأولى للأسلام.
وباب الاجتهاد فيه مفتوح الى اليوم.
وكذلك لم يؤثر بالمذهب الشيعي الصراعات السياسية طوال التاريخ الأسلامي. وكلها أمور يمكن طرحها للمناقشة والحوار بروح التسامح والتسامي من اجل وحدة الهدف المشترك، والغاية النبيلة، البعيدة عن الأغرض والأهواء.
كما يرى بعض العلماء من المذهبين ان افضل وسيلة يمكن بها تحقيق ذلك. أو على الاقل، الحدى الأدنى منه.. هو ان ينظر أهل السنة الى المذهب الشيعي باعتباره مذهبا خامسا بجانب المذاهب الأربعة السنية سواء بسواء.
وهنا تحضرني فتوى لفضيلة الأمام الأكبر المرحوم الشيخ محمود شلتوت عندما كان رئيسا للأزهر. نشرت عام 1959 بمجلة «رسالة الأسلام» (1) في العدد الثالث من السنة الحادية عشرة ص228 يقول فضيلته:
«ان الأسلام لا يوجب على أحد من اتباعه مذهب معين. بل نقول: ان لكل مسلم الحق في ان يتبع أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا، والمدونة احكامها في كتبها الخاصة بها، ولمن قلد مذهبا من هذه المذاهب ان ينتقل الى غيره أي مذهب كان ولا حرج عليه في شيء من ذلك».
ثم قال فضيلته:
«ان مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الأمامية الأثنا عشرية. هو مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب اهل السنة. فينبغي للمسلمين ان *** ظ )
صفحة ١١
يعرفوا ذلك، وان يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة».
ان أمام العرب والمسلمين اليوم فرصة كبيرة، بما حققوه على الصعيدين العسكري والسياسي، واستثمارها الى أقصى حد لخير الأسلام والمسلمين جميعا على اختلاف مذاهبهم وأجناسهم، وكسب مغانم كثيرة يرضونها لأنفسهم ولأوطانهم. ونيل حقوقهم من مغتصبيها، وامتلاك ارادتهم حرة قوية منيعة، وبسط نفوذهم على ما تحت ايديهم من ثروات، وما وهبهم الله من كنوز، والتصرف فيها وفق مشيئتهم وما تمليه عليهم مصالحهم ومصالح أجيالهم من بعدهم. وما يساعدهم على اللحاق بأقصى درجات التطور والتقدم العلمي والصناعي والحضاري الذي هو سمة العصر وآية الرقي.
وفي النهاية تشكيل قوة متحدة متماسكة، تستطيع ان تفرض ارادتها واحترامها، وتبرز للعالم اصالة تراها الديني والحضاري، وتعطي للعالم زادا جديدا من الحضارة الروحية والخلقية الممتزجة في الوقت نفسه بالحضارة المادية. تنال به اعجابه، ومن ثم... تأييده والانحياز اليه والأنضمام تحت لوائه. بعد ان يكونوا قد بلغوا الغاية في الوحدة الصافية، وساروا في تيار واحد يجرف ما يعترضه من عوائق وحواجز. يعطي الخير والنماء للأسلام واهله كما تعيد اليه ملامح صورته المشرقة، ورسالته الحقة. «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» .
لقد آن الآوان لأن نضع حدا لهذه الفرقة.. التي اوجدها اعداء الله، اعداء الاسلام، واصحاب الاهواء والاغراض والاطماع طول القرون الماضية...
وشغلونا بأنفسنا ومعاشنا عن واجبنا المقدس نحو نصرة دين الله والتمكن له في الارض،
وأدخلونا في جدل عقيم، وتسلطوا على مقدراتنا،
وشوهوا كل مقوماتنا ونحن عاجزون عن صدهم، مستسلمون لكيدهم..
ليس أمامنا من سبيل والله الا الوحدة..
الوحدة بكل اهدافها ومراميها واغراضها السامية ليس من أجلنا فحسب، ولكن من اجل البشرية جمعاء.
وفي اعتقادي ان الوحدة تسبقها الوحدة الدينية، والتعاطف المذهبي.. تعطى المثل والقدوة.. وترفع الراية.
وحدة دينية هادئة، تحمل المشعل وتضيء الطريق للوحدة السياسية، وتصنع الأساس للقوة الاسلامية الكبرى التي تستطيع ان تحقق السلام على الأرض..
--- *** ع )
صفحة ١٢
وترفع راية الحق والعدل فوق ربوعها من جديد.
ان العبء الأكبر في لم شمل المسلمين، وتوحيد كلمتهم.. يقع أول ما يقع على رجال الدين.
هذه هي رسالتهم الاولى، وواجبهم الأسمى، قبل أي شيء آخر.. فان لم يؤدوها ويسعوا الى تحقيقها.. فما أدوا الرسالة ولا قاموا بواجبهم، ولا أدوا فريضة الجهاد في سبيل الله.. فلا سبيل إلا بالوحدة اساس العزة والمنعة.
ان جماعة مخلصة من كبار رجال الدين من كل المذاهب الاسلامية، يؤمنون بهذه الرسالة ويتحررون من قيود حياتهم وأغلال منافعهم الذاتية، يخلصون النية لله وحده ولدينه القويم وتتحد أفكارهم وغايتهم..
يستطيعون أن يحققوا هذا الأمل الكبير، أو على أقل القليل، يضعون اللبنة الاولى، والنواة الصالحة في الأرض الطيبة، يرعاها بعدهم غيرهم حتى تنبت وتزدهر، وتينع وتثمر، وتؤتي أكلها الطيب الشهي، ولنثق.. ان الله سينصر دينه، ويتم نوره ولو كره الكافرون.
القاهرة في 17 / 11 / 1975م
محمد فكري ابو النصر
من علماء الأزهر الشريف
--- *** 1 )
صفحة ١٣
المراجعات
الامام عبد الحسين شرف الدين (قدس سره)
--- *** 2 )
صفحة ١
--- *** 3 )
صفحة ٢
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة وإهداء
هذه صحف لم تكتب اليوم، وفكر لم تولد حديثا وإنما هي صحف انتظمت منذ زمن يربو على ربع قرن، وكادت يومئذ أن تبرز بروزها اليوم، لكن الحوادث والكوارث كانت حواجز قوية عرقلت خطاها، فاضطرتها إلى أن تكمن وتكن، فتريثت تلتمس من غفلات الدهر فرصة تستجمع فيها ما أخرت طبعها، ومست وضعها.
أما فكرة الكتاب فقد سبقت مراجعات سبقا بعيداص، إذ كانت تلتمع في صدري منذ شرخ الشباب، التماع البرق في طيات السحاب، وتغلي في دمي غليان الغيرة، تتطلع إلى سبيل سوي يوقف المسلمين على حد يقطع دابر الشغب بينهم، ويكشف هذه الغشاوة عن أبصارهم، لينظروا إلى الحياة من ناحيتها الجدية، راجعين إلى الأصل الديني المفروض عليهم، ثم يسيروا معتصمين بحبل الله جميعا، تحت لواء الحق إلى العلم والعمل، إخوة بررة يشد بعضهم أزر بعض.
لكن مشهد هؤلاء الإخوة المتصلين بمبدأ واحد، وعقيدة واحدة، كان وأسفاه مشهد خصومة عنيفة، تغلو في الجدال، غلو الجهال، حتى كأن التجالد في مناهج البحث العلمي من آداب المناظرة، أو أنه من قواطع الأدلة! ذلك ما يثير الحفيظة، ويدعو إلى التفكير، وذلك ما يبعث الهم والغم والأسف فما الحيلة؟ وكيف العمل؟ هذه ظروف ملمة في مئين من السنين، وهذه مصائب محدقة بنا من الأمام
--- *** 4 )
صفحة ٣
والوراء، وعن الشمال وعن اليمين، وذاك قلم يلتوي به العقم أحيانا، وتجود به الأطماع أحيانا أخرى، وتدور به الحزبية تارة، وتسخره العاطفة تارة أخرى، وبين هذا وذاك ما يوجب الارتباك فما العمل؟ وكيف الحيلة؟
ضقت ذرعا بهذا وامتلأت بحمله هما، فهبطت مصر أواخر سنة 1329 مؤملا في «نيله» نيل الأمنية التي أنشدها، وكنت ألهمت أني موفق لبعض ما اريد ومتصل بالذي أداور معه الرأي، وأتداول معه النصيحة، فيسد الله بأيدينا من «الكنانة» سهما نصيب به الغرض، ونعالج هذا الداء الملح على شمل المسلمين بالتمزيق، وعلى جماعتهم بالتفريق، وقد كان والحمد لله الذي أملت، فإن مصر بلد ينبت العلم، فينمو به على الإخلاص والإذعان للحقيقة الثابتة بقوة الدليل؛ وتلك ميزة لمصر فوق مميزاتها التي استقلت بها.
وهناك على نعمى الحال، ورخاء البال، وابتهاج النفس، جمعني الحظ السعيد بعلم من أعلامها المبرزين بعقل واسع، وخلق وادع، وفؤاد حي، وعلم عليم ومنزل رفيع، يتبوأه بزعامته الدينية، بحق واهلية.
وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الروح النقي، والقول الرضي، والخلق النبوي، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف، كان على خير ونعمة، وكان الناس منه في أمان ورحمة، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه، أو يبثه ذات نفسه.
كذلك كان علم مصر وإمامها، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكرا لا انقضاء له ولا حد.
شكوت إليه وجدي، وشكا إلي مثل ذلك وجدا وضيقا، وكانت ساعة موفقة أوحت إلينا التفكير فيما يجمع الله به الكلمة، ويلم شعث الأمة، فكان مما اتفقنا عليه أن الطائفتين الشيعة والسنة مسلمون يدينون حقا بدين الإسلام الحنيف، فهم فيما جاء الرسول به سواء، ولا اختلاف بينهم في أصل أساسي يفسد التلبس بالمبدأ الإسلامي الشريف، ولا نزاع بينهم إلا ما يكون بين المجتهدين في بعض الأحكام
--- *** 5 )
صفحة ٤
لاختلافهم فيما يستنبطونه من الكتاب أو السنة، أو الإجماع أو الدليل الرابع، وذلك لا يقضي بهذه الشقة السحيقة، ولا يتجشم هذه المهاوي العميقة، إذن أي داع أثار هذه الخصومة المتطاير شررها منذ كان هذان الاسمان سنة وشيعة إلى آخر الدوران.
ونحن لو محصنا التاريخ الإسلامي، وتبينا ما نشأ فيه من عقائد وآراء ونظريات، لعرفنا أن السبب الموجب لهذا الاختلاف إنما هو ثورة الأمة لعقيدة، ودفاع عن نظرية أو تحزب لرأي، وأن أعظم خلاف وقع بين الأمة، اختلافهم في الإمامة؛ فإنه ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة، فأمر الإمامة إذن من أكبر الاسباب المباشرة لهذا الاختلاف، وقد طبعت الأجيال المختلفة في الإمامة على حب هذه العصبية، وألفت هذه الحزبية، بدون تدبر وبدون روية، ولو أن كلا من الطائفتين نظرت في بينات الأخرى نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم، لحصحص الحق وظهر الصبح لذي عينين.
وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذه المسألة بالنظر في أدلة الطائفتين، فنفهمها فهما صحيحا، من حيث لا نحسن إحساسنا المجلوب من المحيط والعادة والتقليد، بل نتعرى من كل ما يحوطنا من العواطف والعصبيات، ونقصد الحقيقة من طريقها المجمع على صحته، فنلمسها لمسا، فلعل ذلك يلفت أذهان المسلمين، ويبعث الطمأنينة في نفوسهم، بما يتحرر ويتقرر عندنا من الحق، فيكون حدا ينتهى إليه إن شاء الله تعالى.
لذلك قررنا أن يتقدم هو بالسؤال خطا عما يريد، فأقدم له الجواب بخطي على الشروط الصحيحة، مؤيدا بالعقل أو بالنقل الصحيح عند الفريقين.
وجرت بتوفيق الله عز وجل على هذا مراجعاتنا كلها، وكنا أردنا يومئذ طبعها لنتمتع بنتيجة عملنا الخالص لوجه الله عز وجل، ولكن الأيام الجائرة، والأقدار الغالبة اجتاحت العزم على ذلك؛ «ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي».
وأنا لا أدعي أن هذه الصحف صحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ
--- *** 6 )
صفحة ٥
بيننا، ولا أن شيئا من ألفاظ هذه المراجعات خطه غير قلمي، فإن الحوادث التي أخرت طبعها فرقت وضعها أيضا كما قلنا غير أن المحاكمات في المسائل التي جرت بيننا موجودة بين هاتين الدفتين بحذافيرها مع زيادات اقتضتها الحال، ودعا إليها النصح والإرشاد، وربما جر إليها السياق على نحو لا يخل بما كان بيننا من الاتفاق.
وإني لأرجو اليوم ما رجوته أمس: أن يحدث هذا الكتاب إصلاحا وخيرا، فإن وفق إلى عناية المسلمين به، وإقبالهم عليه فذلك من فضل ربي، وذلك ما أرجوه من عملي، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وإني لاهدي كتابي هذا إلى أولي الألباب من كل علامة محقق، وبحاثة مدقق، لابس الحياة العلمية فمحص حقائقها؛ ومن كل حافظ محدث جهبذ حجة في السنن والآثار، وكل فيلسوف متضلع في علم الكلام، وكل شاب حي مثقف حر قد تحلل من القيود وتملص من الأغلال، ممن نؤملهم للحياة الجديدة الحرة، فإن تقبله كل هؤلاء واستشعروا منه فائدة في أنفسهم، فإني على خير وسعادة.
وقد جهدت في إخراج هذا الكتاب، بنحت الجواب فيه على النحو الأكمل من كل الجهات، وقصدت به إلهام المنصفين فكرته وذوقه، بدليل لا يترك خليجة، وبرهان لا يدع وليجة، وعنيت بالسنن الصحيحة والنصوص الصريحة، عناية أغنى بها هذا الكتاب عن مكتبة حافلة مؤثلة بأنفس كتب الكلام والحديث والسير ونحوها، مما يتصل بهذا الموضوع الخطير، بفلسفة معتدلة كل الاعتدال، صادقة كل الصدق، وبأساليب تفرض على من الم به أن يسيروا خلفه وهم أعني منصفيهم له تابعون، من أوله إلى الفقرة الأخيرة منه، فإن ظفر كتابي بالقراء المنصفين فذلك ما أبتغيه، وأحمد الله عليه.
أما أنا فمستريح والحمد لله إلى هذا الكتاب، راض عن حياتي بعده، فإنه عمل كما أعتقد يجب أن ينسيني ما سئمت من تكاليف الحياة الشاقة، وهموم الدهر الفاقرة، وكيد العدو الذي لا أشكوه إلا إلى الله تعالى، وحسبه الله حاكما، ومحمد
--- *** 7 )
صفحة ٦
خصيما، ودع عنك نهبا صيح في حجراته، إلى ما كان من محن متدفقة كالسيل الآتي من كل جانب، محفوفة بالبلاء مقرونة بالضيق والاكفهرار، إلا أن حياتي الخالدة بهذا الكتاب حياة رحمة في الدنيا والآخرة، ترضى بها نفسي، ويستريح إليها ضميري، فأرجوا من الله سبحانه أن يتقبل عملي، ويتجاوز عن خطأي وزللي، ويجعل أجري عليه نفع المؤمنين وهدايتهم به «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم، دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين» .
الإمام عبدالحسين شرف الدين الموسوي قدس سره
--- *** 8 )
صفحة ٧