فقد سألتموني -سنة سِتٍّ وأربعين وخمسمائة- (١) معشر الفقهاء المالكية والشافعية بالثغر المبارك -ثغر الإِسكندرية- بعد تضلعكم من أصول الفقه وفروعه، واستيفائكم -وقت استفتائكم- كل نوع من ينبوعه، وتبحركم -بعون الله تعالى-[في] (٢) سائر فنونه، وما يتعين تحصيله من نُكَتِهِ وعُيُونه؛ أن أملي عليكم من الحديث -الذي عليه مدار الشرع الأصلِ منه والفرع- ما يمكنني إملاؤه ويَخِفُّ عليَّ إلقاؤه.
فأمليت في المدرسة العادلية -التي لم [يُنشَأ للفقهاء، ولم يُبْنَ قط] (٣) مثلها شرقًا وغربًا، بُعْدًا وقُرْبًا، والله تعالى يُكافئ مُنْشِئَهَا (٤) الحسنى (٥)، ويُبَوِّأَه جنّات عدن في العقبى -مجالس من رواياتي عن شيوخي تتضمن من الحديث الصحيح والمشهور الكثير، ومن الفرد والغريب اليسير، مع الكلام على الأكثر وَفْقَ ما كان الخاطر يسمح به ويمليه، بلا ارتياء تام كما أرتضيه، وفي آخر كل مجلس ما تيسر من حكايته وشعر لي
_________
(١) ما بين العارضتين ساقط من م.
(٢) زيادة من م.
(٣) في م: لم يبن للفقهاء.
(٤) خلّف إنشاء المدرسة العادلة ارتياحًا كبيرًا وسرورًا عظيمًا في نفوس أهل الإِسكندرية، وعرفانًا منهم بالجميل سجّلوا كلمات دعاء وشكر للملك العادل على إنشائه لهذه المدرسة، ويدخل دعاء السِّلفي هنا في هذا الباب، كما عَمَدَ شعراؤهم إلى نظم القصائد تعبيرًا عما تُكِنُّه نفوسهم من الغبطة والابتهاج، ومن ذلك قصيدة الشاعر أبي محمد عبد الوهاب بن إسماعيل يفتخر بالمدرسة ويمدح منشئها العادل ويشيد بالمشرف عليها الحافظ السِّلفي. (انظر: معجم السفر للمصنف، ص ١١٩ - ٢٢٠، والحافظ أبو طاهر السِّلفي للدكتور حسن عبد الحميد، ص ١٠٦، ١٠٧).
(٥) في م: بالحسنى.
1 / 26