المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني
الناشر
دار إحياء التراث القديم
رقم الإصدار
الأولى في ذي الحجة سنة ١٣٧٣هـ
سنة النشر
أغسطس سنة ١٩٥٤م
في "مَعَدّ" فاء. قال: ولا تنظر إلى "تَمَسْكَنَ، وتَمَدْرَعَ" فتقول: أحمل "تمعدد" على أنه تَمَفْعَلَ بمنزلة "تمدرع"، وأجعل "مَعَدًّا" مَفْعَل؛ ًا لأن "تمدرع" قليلة، والجيدة "تدرّع، وتسكّن".
فأما قول العامة: تمخْرق، فينبغي أن يكون لا أصل له، وإن١ كان قد جاء عن العرب فهو بمنزلة تمسكَن في الشذوذ، والجيدة: متخرّق؛ لأنهم يقولون: "تَخَرَّقَ فلان بالمعروف" ولم نسمعهم يقولون: "مَخْرَقَ"، وإنما٢ هو من الخِرْق وهو الكريم من الرجال، إلا أن بعض أصحابنا قد حكى "مَخْرَق" وليس بالقوي، فأما٣ ما أنشده من قوله:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا
ففيه نظر؛ وذلك أن معناه: كان جزائي أن أجلد بالعصا، فإن قدّمه على هذا التقدير فخطأ؛ لأن الباء في صلة أَنْ، ومحال تقديم شيء من الصلة على الموصول، ولكنه جعل الباء تبيينا. ونظيره قول الشاعر، أنشده أبو العباس:
تقول وصكت صدرها بيمينها ... أبعلِيَ هذا بالرحى المتقاعس
معناه: المتقاعس بالرحى، ولكن الباء إذا قُدِّمت فهي تبيين، ولو كانت من الصلة لما جاز تقديمها٤ على الألف واللام من المتقاعس، ولكنها تفيد ما تفيد إذا كانت في الصلة. وأنشد أبو العباس أيضا:
وإني امرؤ من عصبة خندفية ... أبت للأعادي أن تذل رقابها
معناه: أبت أن تذل رقابها للأعادي. فلو كانت اللام من الصلة لما جاز البيت لبطلان جواز تقدم الصلة أو شيء منها على الموصول. وقال الله تعالى:
_________
١ ظ، ش: أو إن.
٢، ٣ ظ، ش: فإنما، في الموضعين.
٤ ظ، ش: يقدمها.
1 / 130