ولما كان ابن عباس عربيا قحا، أصبح يكره البربر ويحتقر اليهود. وربما كانت تقضي عليه ميوله بأن لا ينضم ملكه إلى الحزب العربي الصقلبي، ذلك الانضمام الذي تكون نتيجته اللازمة، إيداع زهير غيابة السجن بيد قاضي إشبيلية زعيم هذا الحزب. وقد كان امتعاضه من زهير شديدا لمحالفته ملكا من ملوك البربر، اتخذ له وزيرا يهوديا كان شديد الكراهة له، وهو يعلم ذلك، وقد تمالأ مع ابن بقية
5
وزير الحموديين بمالقة وعمل على خلع إسماعيل بأن اختلق لإدراك هذا الغرض عدة وشايات ودسائس لم تفلح، ثم عمد بعد ذلك إلى أن يوقع ملكه مع ملك غرناطة بأن يجعله يقدم مساعدته لمحمد أمير قرمونة وعدو حبوس، وقد نجح في محاولته هذه.
وبعد فترة من الزمن وافى الأجل المحتوم حبوس في يوليو سنة 1038
6
وقد أعقب ولدين باديس
7
وهو بكره، وبلقين، وهو أصغر منه. وأراد البربر وجماعة اليهود أن يتبوأ صغيرهما العرش، وآخرون من اليهود بينهم إسماعيل، ومعهم العرب، كانوا يميلون إلى جانب باديس. وكان لا بد - لهذا الخلاف - من أن تنشب حرب أهلية، لو لم يبادر بلقين إلى التنازل عن العرش لباديس والدخول في طاعته، فحذا حذوه أنصاره مكرهين.
8
وأول عمل عمله الأمير الجديد أنه بذل كل ما في وسعه لتوطيد أركان المحالفة بينه وبين أمير المرية، وقد صرح هذا الأخير بأن كل شيء تتم تسويته عند المقابلة. وخرج في حرس تام العدد والعدة، ومنظر يستوقف الأبصار، واجتاز حدود مملكة باديس - على غير علم منه - إلى أن صار فجأة على أبواب غرناطة، فأثر هذا العمل - الخالي من اللياقة - في نفس باديس. ومع هذا فقد قابله بكل حفاوة، وأولم له ولمن معه وليمة فاخرة، وغمر أتباعه بالعطايا والهدايا، وعلى الرغم من هذه الحفاوة البالغة، فإن المفاوضات التي دارت بينهما، على عقد تحالف وطيد، لم تسفر عن نتيجة، إذ لم يستطع الأميران ولا وزيراهما (كان إسماعيل لا يزال وزيرا في مكانه) أن يتفقا على شيء، وكان في مقابلة ما فعله باديس من الحفاوة بضيوفه، أن أميرهم زهيرا،
صفحة غير معروفة