ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام

كامل كيلاني ت. 1379 هجري
141

ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام

تصانيف

على أن المجوسية لم يقض عليها بسرعة، فإن كثيرا من الفارسيين ظلوا مؤمنين بها، ولم تخل قرية في بلاد فارس - إلى القرن العاشر - من معبد للنار، ولكن عدد المنتمين إلى هذا الدين كان آخذا في النقص يوما بعد يوم، ودخل المتدينون والملحدون في دين الإسلام أفواجا، وانضمت المصلحة الشخصية إلى ترويجه والإقبال عليه، فدان به الفارسي - أسوة بالمسيحي - ليعفى من دفع الجزية.

أضف إلى هذا أنه كان يطمح إلى الكرامة وهو مزهو مختال بماضيه المجيد، ولم يكن في وسعه أن ينجو من الزراية والامتهان بعد الفتح الإسلامي، إلا إذا دان بالإسلام ليحفظ كرامته وكبرياءه موفورين، وبهذا وحده استطاع أن يساهم في الحكم، ولم يكن الانتقال إلى الإسلام - كما أسلفنا آنفا - بالأمر العسير.

وهكذا انتقل الإسلام إلى بلاد «فارس» في محيط من الآراء، لم تكن كلها غريبة على هذه البلاد، بل كانت على العكس مألوفة لها، فقد كانت الديانتان تحويان أصولا مشتركة بينهما، وكان للإسلام نقط اتصال كثيرة يلتقي فيها مع نحل الملحدين وشيعهم، مثل مذهب «ماني» الذي يدين به المانويون، ومذهب «مزدك» الذي يدين به المزدكيون، وقد أثرت المسيحية في هذين المذهبين كما أثر فيهما الإسلام.

وكان إسلام الفارسيين عظيم الخطر جليل النفع على الدين الإسلامي، فقد نهض بالإسلام إلى حد ما، ولئن رأينا من مسلمي العرب قلة اكتراث بالدين، فإننا نرى الفرس - على عكس ذلك - يلتهبون غيرة وحماسة لنصرة هذا الدين.

وقد ألف الفارسيون - إلى ذلك - ممارسة العلوم، ومعاناة البحوث العويصة، وطبعوا على التمحيص، فلما أسلموا ظهر من بينهم واضعو أساس «اللاهوت» الإسلامي، وقد قال المؤرخ ابن خلدون: «إن أغلب الحفاظ الذين استظهروا الحديث والدين وأعودهم نفعا على الإسلام، كانوا من الفرس، وقد نقلوها إلى الفارسية، وتوفروا على درس القرآن وبرعوا في تفسيره والتفقه فيه.» •••

ومن ثم نرى أن الإسلام قد أصبح - بفضل الفرس - قوة عظيمة الخطر في العالم، ولم يكن ليتاح له أن يصل إلى هذه الذروة بفضل جهود العرب وحدهم.

ولقد كان تاريخ الإسلام - أعني تاريخ نشأته وانتشاره ونموه - مماثلا تاريخ البوذية والمسيحية، فقد نشأت البوذية في الهند، وماتت في مهدها وصرعتها البرهمية، ولم تطق البوذية أن تصمد لها في نضالها، ولكنها - مع ذلك - انتشرت في بلاد أخرى كالصين وسيلان والتتر واليابان، وما وراء «الجنج».

كذلك نرى أن المسيحية لم تظفر بالحياة في مهدها، فقد أنكرها اليهود، ولجوا في مناوأتها - مع أنها وليدة الموسوية - ولكنها على ذلك قد ذاعت خارج موطنها ودان بها الرومان، وإن كان تدينهم اسميا، وفتن بها شعب ثالث وهو الشعب الجرماني حيث لقيت بين ظهرانيه كل إقبال وترحيب.

ولسنا ننكر خطر الإسلام واستقامة مبادئه ونفعها وإن كان يحوي - على ذلك - ضررا جسيما، فإن أكثر من دانوا به لم يكونوا مخلصين في اعتقادهم، وثمة رأينا كثيرا منهم يطرقون أبواب الكنائس ويأوون إليها، وهم غير معتقدين بالإسلام، وإن تظاهروا به رغبة فيما يلقونه من كرم الوفادة وحسن الضيافة.

ولقد كان الداخلون في حظيرة الإسلام فريقين، فريقا يرى أن الإسلام أيسر مما يطلبون لأنه لا يمنح المؤمنين به ما تطمح نفوسهم إليه، وفريقا يرى أنه أصعب مما يطيقون لأنه يفرض عليهم أكثر مما يحتاجون إليه.

صفحة غير معروفة