ملحق الأغاني (أخبار أبي نواس)

ابن منظور ت. 711 هجري
210

ملحق الأغاني (أخبار أبي نواس)

محقق

علي مهنا وسمير جابر

الناشر

دار الفكر للطباعة والنشر

مكان النشر

لبنان

كان الأدب يجمعنا كثيرا فيؤنسنا التناشد والمذاكرة فاجتمعنا يوما عند أبي نواس وهو إذ ذاك في رهج دوامة مع محمد بن زبيدة وفينا دعبل بن علي ومسلم بن الوليد وأبو الشيص فلما كادت الكؤوس أن تغلب العقول قال أبو نواس قد اتفق اجتماعنا فلم لانتمم يومنا بما يفكرنا به المتأدبون قلنا له إنه ليوم ذاك فالتفت إلى مسلم فقال هات فلله إحسانك في الإجابة إذا نوديت فاختر من شعرك ما شئت فليس من شاعر إلا وهو يعرف حبة القلادة من شعره فاستوى مسلم جالسا وقال ليست بك حاجة إلى مكاثرتنا فقد علمنا أن معك من الكلام دره وخالص جوهره وإنما أردت إقرارنا لك بذلك فقد سلمناه لك فقال أبو نواس ما لهذا قصدت ولكنك تريد أن تفخر علينا بجودة شعرك فامض لما اجتمعنا عليه فلن ندع مشاركتك في ذلك لما تقدم من بقاء ذكره بين الادباء على مر الايام فابتدأ مسلم في قوله

( أجررت حبل خليع في الصبا غزل

وشمرت همم العذال عن عذلي )

فلما انتهى فيها إلى قوله

( موف على مهج في يوم ذي رهج

كأنه أجل يسعى إلى أمل )

فقال أبو نواس ما أراه يجيء بعد هذا الكلام ما يفي بوزنه ثم التفت إلى دعبل فقال هات الآن فكأني بك قد جئت بسقط شعرك

( ضحك المشيب برأسه فبكى )

قال دعبل هو ذلك فتجاوزني إلى غيري فقال كلا فأين استلذاذ السمع بعذوبة جيد الكلام فجاء بها إلى آخر بيت فقال أبو نواس أحسنت ملء فيك ثم التفت إلى أبي الشيص فقال الضادية الضادية فما خطر بخلدي قط قولك

( ليس المقل عن الزمان براض )

إلا حرك مني ساكنا وإنما اخترتها استحسانا لها فإن الأعشى كان إذا قال قصيدة عرضها على ابنته وكان قد ثقفها حتى بلغت التحكيم والإحسان لجيد الكلام ثم يقول لها عدي لي المخزيات فتقول

( أغر أروع يستسقى الغمام به

لو قارع الناس عن أحسابهم قرعا )

صفحة ٢١٨