ملحق كتاب الأغاني ( أخبار أبي نواس )
صفحة ١
أخبار أبي نواس الحسن بن هانئ
هو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح مولى الجراح بن عبد الله بن جعادة بن أفلح بن الحارث بن دوة بن حدقة بن مظة بن سلهم بن الحكم بن سعد العشيرة بن مالك
وكنيته أبو نواس سئل عن كنيته ما أراد بها ومن كناه بها وهل هو نواس أو نواس فقال نواس وجدن ويزن وكلال وكلاع أسماء جبال لملوك حمير والجبل الذي لهم يقال له نواس
قال
وكان سبب كنيتي أن رجلا من جيراني بالبصرة دعا إخوانا له فأبطأ عليه واحد منهم فخرج من بابه يطلب من يبعثه إليه يستحثه على المجيء إليه فوجدني مع صبيان ألعب معهم وكان لي ذؤابة في وسط رأسي فصاح بي يا حسن امض إلى فلان جئني به فمضيت أعدو لأدعو الرجل وذؤابتي تتحرك فلما جئت بالرجل قال لي أحسنت يا أبا نواس لتحرك ذؤابتي فلزمتني هذه الكنية
صفحة ٩
وسئل مرة أخرى فقيل له من كناك أبا نواس قال أنا كنيت نفسي بذلك لأني من قوم لا يشتهر منهم إلا من كان اسمه فردا وكانت كنيته سنيعة فتكنيت بأبي نواس
ويروى بفتح النون والواو مخففة وأما النواس بن سمعان فهو مشدد
وكانت كنيته الأصلية أبا علي وإنما هو كان يشتهي أن يلقب بأبي نواس لشهرته وأنه من أسماء ملوك اليمن ومن أسمائهم أيضا ذو نواس
وكان هانئ أبو الحسن بن هانئ كاتبا لمسعود الماذرائي على ديوان الخراج وكان اسمه هني وكان راعي غنم ولم يكن له ولاء ولا حلف حتى مات فلما كبر أبو نواس وأدب قال لنفسه حسن بن هانئ وإنما كان حسن بن هني
وقيل كان أبو أبي نواس حائكا
صفحة ١٠
وقيل كان من جند مروان بن محمد من أهل دمشق وكان فيمن قدم الأهواز في أيام مروان للرباط بها والشحنة فتزوج بجلبان وأولدها عدة أولاد منهم أبو نواس وأبو معاذ وأسمه أحمد
وكان أبو معاذ أحمد مؤدب أولاد فرج الرخجي وكان أبو معاذ عطلا من مذاهب أبي نواس لا يحسن شيئا إلا أنه تعيش بأنه أخ لأبي نواس
نقله إلى البصرة وهو ابن ست سنين
فنقلت أبا نواس أمه إلى البصرة وهو ابن ست سنين
وقيل
إن أمه يقال لها شحمة من نهر تيرى قرية من قرى الأهواز تدعى بباب آذر وكانت تعمل الصوف وتنسج الجوارب والأخراج فتزوجها هني أبوه فولدت أبا نواس وكان هني قد رآها وعشقها على شط نهر من أنهار قرى الأهواز وهي تغسل الصوف وكان لها ابن آخر
قيل وكانت تعمل الخيزران
وكانت لأبي نواس أخت عند فرج القصار عبد كان لأحمد بن عصمة الباخرزي
مولده ووفاته
واختلف في مولد أبي نواس فقيل كان مولده في سنة ست وثلاثين ومائة وقيل سنة خمس وأربعين وقيل سنة ثمان وأربعين وقيل سنة تسع وأربعين
صفحة ١١
واختلف في موته فقيل توفي سنة خمس وتسعين ومائة وقيل سنة ست وتسعين وقيل سنة سبع وتسعين وقيل سنة ثمان وتسعين وقيل سنة تسع وتسعين وقيل مات قبل دخول المأمون بغداد بثمان سنين وكان عمره تسعا وخمسين سنة
وقيل
كان اسم جده رباح وكان رباح هذا مولى الجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان من أهل البصرة
وقيل
كان أبو نواس من الخوز من باب شيركان
وقيل من قرية من قرى الأهواز
وقيل بل من أرض مناذر الصغرى
والمجمع عليه أن أصله من خوز الأهواز وقيل من مناذر الكبرى من رستاق ما برثى من قرية يقال لها باسكنى
وقيل
صفحة ١٢
كان أبو نواس مولى محمد بن عمر الحكمي من حاء وحكم قبيلتين من مذحج من اليمن
ومحمد بن عمر هذا خال بشر بن المفضل اللاحقي الفقيه
وكان أبو نواس يزعم أنه من العجم والذي صح مما ادعاه أبو نواس أنه مولى للحكميين وإنما ادعى ولاء حاء وحكم بالبصرة لأن بها قوما منهم وما كان في جميع عمل الأهواز رجل واحد من حاء وحكم يقال إنه يدعى فيهم
نشأته وبعض من صفاته
وكان أبو نواس قد نشأ بالبصرة وقرأ القرآن على يعقوب الحضرمي فلما حذق القراءة رمى إليه يعقوب بخاتمه وقال اذهب فأنت أقرأ أهل البصرة
وكان أبو نواس حسن الوجه رقيق اللون أبيض حلو الشمائل حسن الجسم وكان في رأسه سماجة وتسفيط فكان دائم العمة والقلسة لذلك
وكان ألثغ على الراء يجعلها غينا وهي كثيرة بالبصرة لا يخلو من العشرين اثنان أن يلثغا بها
قال الجاحظ
ما رأيت أحدا كان أعلم باللغة من أبي نواس ولا أفصح لهجة مع حلاوة ومجانبة للاستكراه
صفحة ١٣
وكان نحيفا في حلقة بحة لا تفارقه
قال ولما شب أسلمته أمه براء يبري عود البخور وكبر وتأدب وصحب أهل المسجد والمجان
واشتهى الكلام فقعد إلى أصحابه فتعلم منهم شيئا من الكلام ثم دعاه ذلك إلى الزندقة فكان ذلك يحسب منه على جهة العبث ثم مجن في شعره وشخص إلى مدينة السلام فأقام بها وعاشر الملوك فحط منه مجونه ووضعه خبث لسانه وحط منه تهتكه وكثرة سفهه وعبثه
وكان ينادم ولد المهدي فلم يبق مع أحد من الناس ونادم القاسم ابن الرشيد هارون ولقي منه أشياء كرهها وكرهت له
جلس أبو نواس إلى الناشئ الراوية فقرأ عليه شعر ذي الرمة فأقبل الناشئ على أبيه هانئ وقال له إن عاش ابنك هذا وقال الشعر ليقولنه بلسان مشقوق
صفحة ١٤
وكان ابتداء صلة أبي نواس بوالبة بن الحباب الأسدي أن والبة جاء من الأهواز إلى البصرة إلى سوق العطارين يشتري حوائج وبخورا فاشترى منها عودا هنديا وأبو نواس كان يبري العود وهو غلام فاحتيج إليه في بري ذلك العود وتنقيته فلما رآه والبة بن الحباب كاد عقله يذهب فلم يزل يختدعه حتى صار إليه فحمله إلى الأهواز وقدم به الكوفة بعد منصرفهم فشاهد معه أدباء أهل الكوفة في ذلك الوقت فتأدب بأدبهم
أول شعر قاله بالكوفة
وكان أول شعر قاله في الكوفة إذ دخل معه إلى منزل محمد بن سيار ابن مقرن وكان لمحمد ابن جميل وله قيان يخرجهن إلى ندمائه فاتفق أن أخرجهن وجلس ابن محمد في صفهن فقال أبو نواس حينئذ
( يا ظبي آل سيار
وزين صف القيان )
( لينعتنك وهمي
إن كل عنك لساني )
( خلقت في الحسن فردا
فما لحسنك ثاني )
( كأنما أنت شيء
حوى جميع المعاني )
( ويلي لقد كنت عنكم
بمعزل ومكان )
( علقت من جل عني
وشأنه عز شاني )
( من ليس يطمع فيه
إلا فلان الفلاني )
اتصاله بوالبة بن الحباب
صفحة ١٥
وقيل في اجتماعه بوالبة غير ذلك وهو أن النجاشي الأسدي والي الأهواز للمنصور احتاج إلى عطر يعمل له فلم يجد في الأهواز من يعمله فبعث إلى البصرة فحمل عطارين فيهم أستاذ أبي نواس وأبو نواس معه فكانوا يعملون في دار النجاشي وقدم عليه والبة بن الحباب الأسدي الشاعر وهو ابن عمه فرأى أبا نواس فاستحلى قده وأعجب بظرفه فقال له إني أرى فيك مخايل فلاح وأرى لك ألا تضيعها وستقول الشعر وتعلو فيه فاصحبني حتى أخرجك قال ومن أنت قال أبو أسامة قال والبة قال نعم قال أنا والله جعلت فداك في طلبك وقد أردت الخروج إلى الكوفة وإلى بغداد من أجلك قال ولماذا قال شهوة للقائك ولأبيات سمعتها لك قال وما هي فأنشده
( ولها ولا ذنب لها
حب كأطراف الرماح )
( جرحت فؤادك بالهوى
فالقلب مجروح النواحي )
( سل الخليفة صارما
هو للفساد وللصلاح )
( أحذته كف أبي الوليد
يدا مبارية الرياح )
( ألقى بجانب خصره
أمضى من الأجل المتاح )
( وكأنما ذر الهباء
عليه أنفاس الرياح )
فمضى معه فلما صار إلى منزله وأكلا وشربا أراده وألبة فلما كشف عنه رأى حسن بدنه فلم يتمالك أن قبل آسته فحبق أبو نواس فقال له يا خبيث ما هذا قال كرهت يا سيدي أن يضيع المثل ولا أحققه في قولهم جزاء من قبل الاست ضرطة فازداد به حبا وعجبا ومضى معه إلى الكوفة
وروي أنه قال له يا حبيبي أقبلك وتجازيني بهذا فقال كرهت أن يضيع المثل
صفحة ١٦
قال والبة بن الحباب
رأيت فيما يرى النائم كأن إبليس أتاني فقال ترى غلامك الحسن بن هانئ قلت ما شأنه قال إن له لشأنا ووالله لاغوين به أمة محمد ثم لا أرضى حتى ألقي محبته في قلوب المرائين من أمته وقلوب العاشقين لحلاوة شعره
ولما اشتد أبو نواس وكبر وعرف قدره وفضله قال واعجبا من شاعر مفلق ينيكه والبة بن الحباب
وكان أبو نواس متهتكا أيضا في مؤاجرته وبعد كبره فإنه ذكر عنه لما كان بمصر وورد على الخصيب أنه جمش غلاما من أهل مصر فنفر منه وتتايه عليه وتجنى فقال
( تتيه علينا أن رزقت ملاحة
فمهلا علينا بعض تيهك يا بدر )
( فقد طال ما كنا ملاحا وربما
صددنا وتهنا ثم غيرنا الدهر )
( وكم من صديق قد ترهزت تحته
فأعجبه مني الترهز والعصر )
( فطبت له نفسا بما لا يضرني
وبادرت إمكاني فعاد له شكر )
قال أبو العشنزر
صفحة ١٧
قلت الشعر وأنا غلام وأبو نواس غلام وكنا جميعا نبري العود وكنت أحسن وجها من أبي نواس وأبو نواس أطبع مني فتفاخرنا بالشعر فقلت له خلقتي أحسن من خلقتك فقال بل أنا احسن منك وجها وافره فجعلنا بيننا شيخا من جيراننا معروفا باللواط فدخلنا إليه وهو يكتب كتابا وبين يديه دواة كبيرة فاحتكمنا إليه فقال الحكم على الغيب لا يجوز ولكن هذه دراهم فخذوها ودعوني أحكم عن علم فأخذناها منه فلما رأى حسن وجهي بدأ بي ثم ثنى بأبي نواس فأبطأ عليه وكان عظيم الرأس أصلع فقال له أبو نواس ما هذه الزيادة عذبتني فقال له اسكت فديتك فإني أريد أن أسجل لك قال فأخذ أبو نواس سوادا من الدواة فجعل يسود صلعته فقال ما هذا فقال أسود القمطر حتى يعلم أنك قاض فقال قم لعنك الله فإنك عضلة من العضل
صفحة ١٨
وروى أبو هفان أن أبا نواس لما نشأ وتأدب وظرف ورغب فيه فتيان البصرة للمصادقة قال لا أصادق إلا رجلا غريبا شاعرا يشرب الخمر ويصفها ويصف المجالس ويكون له سخاء وشجاعة فذكروا له جماع فلم يحب أن يكون الرجل من أهل بلده فهرب إلى الكوفة وذكر له بها رجل من بني أسد يقال له والبة بن الحباب يشرب الخمر ويقول الشعر ويجمع الخصال التي أرادها أبو نواس فصار إليه فسأل عنه فقيل له إنه بطيزناباذ يشرب الخمر عند خمار هناك فصار إلى منزله فسأل عنه فأخبر بأنه في مجلسه فاستأذن عليه فأذنت له جاريه لوالبة فدخل فإذا والبة نائم سكران فقال للجارية أعندك ما يؤكل ويشرب قالت نعم قال هاتيه فجاءته بطعام فأكل وجاءته بشراب فلم يزل يشرب ويغني حتى نام مكانه فانتبه والبة فقال من هذا الرجل النائم فأخبرته الجارية خبره فقال هاتي لنا طعاما فأكل ولم يزل يشرب وأبو نواس نائم حتى نام والبة فانتبه أبو نواس فسأل عنه وعما كان من خبره فأخبرته الجاريه فقال هاتي طعامك فأكل ولم يزل يشرب ووالبة نائم حتى نام أبو نواس ثم انتبه والبة فسأل عن خبره فأخبرته فقال هاتي طعامك فأكل ولم يزل يشرب وأبو نواس نائم حتى نام والبة وانتبه أبو نواس فسأل عن خبره فأخبرته بما كان من أمره فدعا بماء وتطهر ودعا بالطعام والشراب ولم يزل كل واحد منهما على هذه الحال سبعة أيام لا يلتقيان وهما في مجلس واحد
ثم إن والبة أمر الجارية أن تحبس عنه الشراب إلى وقت قيامه فلما انتبه أبو نواس قال للجارية أصلحت طعامك قالت الآن يصلح قال لا قد عرفت ما أراد لعله قال لك دافعيه حتى أنتبه فقالت الجارية ما أحسبك إلا من الجن وما رأيت إنسيا على حالك فانتبه والبة فسأله عن خبره وحاله فأخبره بما قصد إليه فسر والبة به ووجه إلى أصحابه وندمائه فجعل لهم مجلسا وأخبرهم خبر أبي نواس وما قصد له فلبثوا على ذلك أياما في صبوح وغبوق
صفحة ١٩
ثم إن والبة مد يده إلى أبي نواس على سكر فلما عراه رأى بدنا حسنا وكان جميل الوجه حسن البدن فأطار عقله ولم يتمالك أن قبل استه فضرط أبو نواس في وجهه فغضب والبة من ذلك واستشاط وقبض على سكينة وهم به فقال له أبو نواس جعلني الله فداك هل تعلم ما حملني على ما فعلت قال لا قال المثل المضروب جزاء من قبل الاست ضرطة فضحك والبة منه وعرف أنه أحد المجان فلم يزل مقيما عنده
ثم سأله أن يخرج إلى البادية مع وفد بني أسد ليتعلم العربية والغريب فأخرجه مع قوم منهم فأقام بالبادية سنة ثم قدم ففارق والبة ورجع إلى بغداد
قال أبو السمح
قلت لوالبة وكنت أرى أبا نواس عنده وهو غلام حسن الوجه أنا والله أشتهي حسنا غلامك فقال لي ويلك ما تستحي هو غلامي فقلت له أحدث في متاع الشطار قال فلا تبرح حتى يجئ فجاء أبو نواس فقال له والبة إن أبا السمح يشتهيك فقال له أبو نواس جعلت فداك تأمرني بحسن التبغل وتقضي بي حوائج الإخوان قال أبو السمح له ويلك احذر هذا الغلام فإنه إن بقي كان داهية
راوية بشار يتحدث عنه
حدث يحيى بن الجون راوية بشار قال
صفحة ٢٠
جاء أبو نواس إلى بشار فأنشده قصيدته اللامية التي يصف فيها النخل فاستحسنها فلما خرج قال بشار لقد حسدت هذا الغلام على هذا الكلام وماذا أخرج منه غرمول شاعر الكوفة يعني والبة بن الحباب
وكان أبو نواس متكلما جدلا راوية فحلا رقيق الطبع ثابت الفهم في الكلام اللطيف ويدل على معرفته بالكلام أشياء من شعره منها قوله
( وذات خد مورد
قوهية المتجرد )
( تأمل العين منها
محاسنا ليس تنفد )
( والحسن في كل شيء
منها معاد مردد )
( فبعضه قد تناهى
وبعضه يتولد )
ومنها قوله
( يا عاقد القلب مني
هلا تذكرت حلا )
( تركت مني قليلا
من القليل أقلا )
( يكاد لا يتجزا
أقل في اللفظ من لا )
ومنها قوله في امرأة اسمها حسن
( إن اسم حسن لوجهها صفة
ولا أرى ذا في غيرها اجتمعا )
( فهي إذا سميت فقد وصفت
فيجمع الاسم معنيين معا )
صفحة ٢١
ومنها قوله فيما يتعلق بالحكمة
( قل لزهير إذا حدا وشدا
أقلل وأكثر فأنت مهذار )
( سخنت من شدة البرودة حتى
صرت عندي كأنك النار )
( لا يعجب السامعون من صفتي
كذلك الثلج بارد حار )
هذا شيء أخذه أبو نواس من مذهب حكماء الهند فإنهم يقولون إن الشيء إذا أفرط في البرد انقلب حارا وقالوا إن الصندل يحك منه اليسير فيبرد فإذا أكثر منه سخن
وله من هذا الجنس أشياء كثيرة توضع في مواضعها من هذه الترجمة
الأصمعي يحدث قعنب عن أبي نواس
قال أبو عمرو قعنب
خرجت مع الأصمعي من المسجد الجامع فلما صرنا على الدرب الذي يخرج من سكة المربد إلى بني أصمع وقف بي على دار مبنية بالآجر والجص هناك فقال أترى هذه الدار عهدي بها مرة من قصب وكان فيها طراز حائك وكان فيها إنسان فارسي تزوج امرأة فولدت غلاما فأرضعت بلبانه غلاما من ثقيف فتعلم الصبي من الحائك القرآن ثم قال الشعر وخرج إلى بغداد وبلغني أنه قال
( واهج نزارا وأفر جلدتها
وهتك الستر عن مثالبها )
صفحة ٢٢
وادعى اليمن وتولاهم فسألته عنه فقال هو أبو نواس
وإنما ادعى حاء وحكم في آخر أمره وذكر أنه مولى لهم لأن منهم بالبصرة قوما فذكر أن جده مولى أولئك
وكان دعيا يخلط في دعوته فمن ذلك قوله
( فإن أك بصريا فإن مهاجري
دمشق ولكن الحديث فنون )
ثم هجا اليمن في هذه القصيدة بقوله
( لأزد عمان بالمهلب نزوة
إذا ذكر الأقوام ثم تلين )
وإنما نشأ بالبصرة وليس له بدمشق قبل ولا بعد
ومما هجا به اليمن قوله لهاشم بن حديج
( وتختم ذاك بفخر عليه
بكندة فاسلح على كنده )
وقوله
( بحديج فخرت يا بن حديج
وحديج به تسمى العبيد )
وقوله
( يا هاشم بن حديج لو عددت أبا
مثل القلمس لم يعلق بك الدنس )
صفحة ٢٣
فانظر إليه كيف قدم نزارا
والقلمس أحد بني كنانة وهو الذي نسأ النسيء في الشهر الحرام فأطاعته العرب وقال الله جل وعلا
ﵟإنما النسيء زيادة في الكفرﵞ
ومنه قوله في هاشم بن حديج
( يا هاشم بن حديج ليس فخركم
بقتل صهر رسول الله بالسدد )
( إن تقتلوا ابن أبي بكر فقد قتلت
حجرا بدارة ملحوب بنو أسد )
( فكل كندية قالت لجارتها
والدمع ينهل من مثنى ومنفرد )
( ألهى أمرأ القيس تشبيب بغانية
عن ثأره وصفات النؤي والوتد )
وإنما عير ابن حديج لأن جده قتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما وهو عامل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على مصر
وقوله بدارة ملحوب أراد قتل بني أسد حجر بن عمرو آكل المرار الكندي جد امرئ القيس فما أدرك بثأره عود حرمل واشتغل بالنساء والغزل إلى أن قتله ملك الروم
ادعاؤه أنه من ولد عبيد الله بن زياد
صفحة ٢٤
وكان أو نواس في أول دعوته ادعى أنه من ولد عبيد الله بن زياد بن ظبيان من بني عائش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة وعبيد الله بن زياد هو الذي قتل مصعب بن الزبير فقيل لأبي نواس إن الرجل الذي تدعي له لا عقب له لأنه فلج ومات ولا ولد له فلو أنك قلت إنك ولد النابئ بن زياد أخي عبيد الله قبلنا منك وكان النابئ خارجيا قتله مصعب فقتل عبيد الله مصعبا بأخيه فاستحى أبو نواس وهرب من بني تيم الله بن ثعلبة وقد كان يرى بينهم
اختلافه إلى خلف الأحمر وأبي زيد
ثم طلب الأخبار والأشعار ونفر عن المثالب والأنساب لمكان هذه القصة وأقام لهذه الغلطة بالبصرة في العطارين فإذا كان العشي أتى أبا عبيدة يسأله عن أخبار العرب وأيام الناس ثم اختلف إلى أبي محرز خلف الأحمر مولى الأشعريين فكان يسأله عن الشعر ومعانيه ثم رثى خلفا بعد موته بشعره
( أودى جميع العلم مذ أودى خلف )
صفحة ٢٥
واختلف إلى أبي زيد فكتب الغريب والألفاظ ثم نظر في نحو سيبويه ثم طلب الحديث فكتب عن عبد الواحد بن زياد ويحيى القطان وأزهر السمان وغيرهم فلم يتخلف عن أحد وأدرك الناس فعلم ثم قدم بغداد بعد ذلك
وكان أيضا يتنزر ويدعي للفرزدق
حدث أبو يحيى الثقفي صاحب أبو نواس ونديمه قال
قدم علينا أبو نواس بغداد وكان يكنى بأبي فراس فقلنا له ممن الرجل فقال من ولد الفرزق
أبو نواس والحكم بن قنبر
ثم وقع بينه وبين الحكم بن قنبر بن رزام التميمي الذي كان يهاجي مسلم بن الوليد فهجاه الحكم بن قنبر بن رزام التميمي وذكر بريه العود وبغى عليه وثلبه وعارضه في قوله
( ألم تربع على الطلل الطماس )
بقوله
( دع الأطلال عنك أبا نواس
عفاها كل أسحم ذي ارتجاس )
صفحة ٢٦
( فما ذكراك من رسم محيل
ومن نؤي ومن طلل طماس )
( وبالأهواز أمك فاذكرنها
مطية كل علج في كناس )
( وهني من الأخواز وغد
وراعي البهم في كنفي هساس )
( وبري العود ما لا تدفعنه
فما دعواك صلب أبي فراس )
( سألت الخوز عنك فما أساؤوا
وقالوا ثابت فينا المراسي )
( عهدنا شيخة ترعى رماما
ونساجا بدور أبي جلاس )
( بخوزستان أنسج من رأينا
ولا سيما لجلباب خماسي )
( ككندة في الحياكة بل علاها
بحذق طم في فن القياس
ويقال إن هذا الشعر مصنوع على الحكم بن قنبر لانه من رديء الكلام وكلام الحكم فوق هذا
وقيل
كانت أم أبي نواس عجمية نباذة في الفرات
وقيل كانت سندية يقال لها جلبان وفيها يقول اللاحقي
( أبو نواس ابن هاني
وأمه جلبان )
صفحة ٢٧