التعليق على الجواب إن المتأمل في هذه الرسالة أو الرسائل المتبادلة بين عبد الملك بن مروان وبين الإمام عبد الله بن أباض يتبين له جليا ما لابن مروان من الباع الطويل وبعد النظر في سياسة الملك والمقدرة على توطيد أركانه وتشييد دعائمه ، فهو يريد فوق ذلك أن يلبس ملكه ثوبا من الخلافة الصحيحة المؤيدة بموافقة أئمة الدين وذوي الرأي النافذ في الأمة وفي مقدمتهم الإمام ابن أباض الذي مع سلوكه الشدة معه مباشرة وبواسطة ، فالأمر إذا لا يخلو إما لأنه سلم بصحة نصيحة الإمام وأذعن لقوة دينه ويقينه ولكن حال دون العمل بها فساد المحيط وتمكن حب الملك ولذة السلطان من نفسه مع ما للبطانة والقرابة بحكم العادة من اليد القوية في الحيلولة بينه وبين ما يهم به من قبول النصيحة في الدين والرجوع إلى ما عليه السلف الصالح ، ويحتمل أن يكون ذلك للخوف من بأس ابن أباض وعشيرته فيما إذا حدثته نفسه شرا . ويمكن غير ما ذكر من الإحتمالات . ومهما يكن من الأمر فالإيمان الراسخ والوثوق الشديد بالله عزوجل والزهد الكامل في هذه الدنيا ونعيمها والصراحة في الحق والإخلاص التام لدين الله كيفما كان الحال ، كل هذه المزايا تتجلى للناظر في شخص ابن أباض من بين سطور كتابه إلى ابن مروان . فرحم الله ابن أباض ورحم الله أولئك الصالحين من عباده الذين لا تأنف نفس الواحد منهم أن يقول ما قاله الصديق " وأطيعوني ما اطعت الله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم " أو ما قاله الفاروق " أيه الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه ".
صفحة ٢٧